والثاني: أن معنى (مكلبين): مصرين على الصيد، وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
والثالث: أن (مكلبين) بمعنى: معلمين. قال أبو سليمان الدمشقي: وإنما قيل لهم:
مكلبين، لأن الغالب من صيدهم إنما يكون بالكلاب. قال ثعلب: وقرأ الحسن، وأبو رزين:
مكلبين، بسكون الكاف، يقال: أكلب الرجل: إذا كثرت كلابه، وأمشى: إذا كثرت ماشيته، والعرب تدعو الصائد مكلبا.
قوله تعالى: (تعلمونهن مما علمكم الله) قال سعيد بن جبير: تؤدبونهن لطلب الصيد. وقال الفراء: تؤدبونهن أن لا يأكلن صيدهن. واختلفوا هل إمساك الصائد عن الأكل شرط في صحة التعليم أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه شرط في كل الجوارح، فإن أكلت، لم يؤكل، روي عن ابن عباس، وعطاء.
والثاني: أنه ليس بشرط الكل، ويؤكل وإن أكلت، روي عن سعد ابن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي هريرة، وسلمان الفارسي.
والثالث: أنه شرط في جوارح البهائم، وليس بشرط في جوارح الطير، وبه قال الشعبي، والنخعي، والسدي، وهو أصح لما بينا أن جارح الطير يعلم على الأكل، فأبيح ما أكل منه. وسباع البهائم تعلم على ترك الأكل، فأبيح ما أكلت منه. فعلى هذا إذا أكل الكلب والفهد من الصيد، لم يبح أكله. فأما ما أكل منه الصقر والبازي، فمباح، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، وقال مالك: يباح أكل ما أكل منه الكلب، والفهد، والصقر، فطن قتل الكلب، ولم يأكل، أبيح. وقال أبو حنيفة: لا يباح، فان أدرك الصيد، وفيه حياة، فمات قبل أن يذكيه، فإن كل ذلك قبل القدرة على ذكاته أبيح، وإن أمكنه فلم يذكه، لم يبح، وبه قال مالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يباح في الموضعين.
فأما الصيد بكلب المجوسي، فروي عن أحمد أنه لا يكره، وهو قول الأكثرين، وروي عنه الكراهة، وهو قول الثوري لقوله تعالى: (وما علمتم) وهذا خطاب للمؤمنين. قال القاضي أبو يعلى: ومنع أصحابنا الصيد بالكلب الأسود، وإن كان معلما، لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر بقتله، والأمر بالقتل: يمنع ثبوت اليد، ويبطل حكم الفعل، فيصير وجوده كالعدم، فلا يباح صيده.
قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) قال الأخفش: " من " زائدة كقوله تعالى: (فيها من برد).