ثم جزاك الله عني إذ جزى * جنات عدن في السماوات العلا ولفظ الآية لفظ الاستفهام، ومعناها التوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى. قال أبو عبيدة: وإنما قال: " إلهين "، لأنهم إذ أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى ذكروهما. فإن قيل: فالنصارى لم يتخذوا مريم إلها، فكيف قال الله تعالى ذلك فيهم؟ فالجواب: أنهم لما قالوا: لم تلد بشرا، وإنما ولدت إلها، لزمهم أن يقولوا: إنها من حيث البعضية بمثابة من ولدته، فصاروا بمثابة من قاله.
قوله تعالى: (قال سبحانك) أي: براءة لك من السوء (ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) أي: لست أستحق العبادة، فأدعو الناس إليها. وروى عطاء بن السائب عن ميسرة قال: لما قال الله تعالى لعيسى: (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) رعد كل مفصل منه حتى وقع مخافة أن يكون قد قاله، وما قال: إني لم أقل، ولكنه قال: (إن كنت قلته، فقد علمته) فإن قيل: ما الحكمة في سؤال الله تعالى له عن ذلك وهو يعلم أنه ما قاله؟ فالجواب: أنه تثبيت للحجة على قومه، وإكذاب لهم في ادعائهم عليه أنه أمرهم بذلك، ولإنه إقرار من عيسى بالعجز في قوله [تعالى]: (ولا أعلم ما في نفسك) وبالعبودية في قوله [تعالى]: (أن اعبدوا الله ربي وربكم).
قوله تعالى: (تعلم ما في نفسي) قال الزجاج: تعلم ما أضمره، ولا أعلم ما عندك علمه، والتأويل: تعلم ما أعلم وأنا لا أعلم ما تعلم.
ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد (117) قوله تعالى: (أن اعبدوا الله) قال مقاتل: وحدوه.
قوله تعالى: (وكنت عليهم شهيدا) أي: على ما يفعلون ما كنت مقيما فيهم، (فلما توفيتني) فيه قولان:
أحدهما: بالرفع إلى السماء.
والثاني: بالموت عند انتهاء الأجل. و " الرقيب " مشروح في سورة (النساء)، و " الشهيد " في (آل عمران).
إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (118) قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك) * قال الحسن، وأبو العالية: إن تعذبهم، فبإقامتهم