والسادس: قياما لمعايشهم ومكاسبهم بما يحصل لهم من التجارة عندها، ذكره بعض المفسرين.
فأما الشهر الحرام، فالمراد به الأشهر الحرم، كانوا يأمن بعضهم بعضا فيها، فكان ذلك قواما لهم، وكذلك إذا أهدى الرجل هديا أو قلد بعيره أمن كيف تصرف، فجعل الله تعالى هذه الأشياء عصمة للناس بما جعل في صدورهم من تعظيمها.
قوله تعالى: (ذلك لتعلموا) ذكر ابن الأنباري في المشار إليه بذلك أربعة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى أخبر في هذه السورة بغيوب كثيرة من أخبار الأنبياء وغيرهم، وأطلع على أشياء من أحوال اليهود والمنافقين، فقال: ذلك لتعلموا، أي: ذلك الغيب الذي أنبأتكم به عن الله يدلكم على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض، ولا تخفى عليه خافية.
والثاني: أن العرب كانت تسفك الدماء بغير حلها، وتأخذ الأموال بغير حقها، ويقتل أحدهم غير القاتل، فإذا دخلوا البلد الحرام، أو دخل الشهر الحرام، كفوا عن القتل. والمعنى: جعل الله الكعبة أمنا، والشهر الحرام أمنا، إذ لو لم يجعل للجاهلية وقتا يزول فيه الخوف لهلكوا، فذلك يدل على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.
والثالث: أن الله تعالى صرف قلوب الخلق إلى مكة في الشهور المعلومة، فإذا وصلوا إليها عاش أهلها معهم، ولولا ذلك ماتوا جوعا، لعلمه بما في ذلك من صلاحهم، وليستدلوا بذلك على أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض.
والرابع: أن الله تعالى جعل مكة أمنا، وكذلك الشهر الحرام، فإذا دخل الظبي الوحشي الحرم، أنس بالناس، ولم ينفر من الكلب، ولم يطلبه الكلب، فإذا خرجا عن حدود الحرم، طلبه الكلب، وذعر هو منه، والطائر يأنس بالناس في الحرم، ولا يزال يطير حتى يقرب من البيت، فإذا قرب منه عدل عنه، ولم يطر فوقه إجلالا له، فإذا لحقه وجع طرح نفسه على سقف البيت استشفاء به، فهذه الأعاجيب في ذلك المكان، وفي ذلك الشهر قد دللن على أن الله تعالى يعلم ما في السماوات وما في الأرض.
ما على الرسول إلا البلغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) قوله تعالى: (ما على الرسول إلا البلاغ) في هذه الآية تهديد شديد. وزعم مقاتل أنها نزلت والتي بعدها، في أمر شريح بن ضبيعة وأصحابه، وهم حجاج اليمامة حين هم المسلمون بالغارة عليهم، وقد سبق ذكر ذلك في أول السورة. وهل هذه الآية محكمة، أم لا؟ فيه قولان: