وقاتل المؤمن مخلد في النار، والفرقة الثانية قالت: هي عامة قد دخلها التخصيص بدليل أنه لو قتله كافر، ثم أسلم الكافر، انهدرت عنه العقوبة في الدنيا والآخرة، فإذا ثبت كونها من العام المخصص، فأي دليل صلح للتخصيص، وجب العمل به. ومن أسباب التخصيص أن يكون قتله مستحلا، فيستحق الخلود لاستحلاله. وقال قوم: هي مخصوصة في حق من لم يتب، واستدلوا بقوله تعالى في الفرقان: (إلا من تاب) وقال آخرون: هي منسوخة بقوله [تعالى]: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعلمون خبيرا (94) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم، وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فأهوى إليه المقداد بن الأسود فقتله.. فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال: ادعوا لي المقداد فقال: يا مقداد أقتلت رجلا قال: لا إله إلا الله، فكيف لك ب " لا إله إلا الله غدا "! فنزلت هذه الآية. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أن رجلا من بني سليم مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ، فعمدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية. رواه عكرمة، عن ابن عباس.
والثالث: أن قوما من أهل مكة سمعوا بسرية لرسول الله أنها تريدهم فهربوا، وأقام رجل منهم كان قد أسلم، يقال له: مرداس، وكان على السرية رجل، يقال له: غالب بن فضالة، فلما رأى مرداس الخيل، كبر، ونزل إليهم، فسلم عليهم، فقتله أسامة بن زيد، واستاق غنمه، ورجعوا إلى