والثالث: أن المراد بقوله [تعالى]: (ماذا أجبتم): ماذا عملوا بعدكم، وأحدثوا، فيقولون: (لا علم لنا)، قاله ابن جريج، وفيه بعد.
والرابع: أن المعنى: (لا علم لنا) مع علمك، لأنك تعلم الغيب، ذكره الزجاج.
والخامس: أن المعنى: (لا علم لنا) كعلمك، إذ كنت تعلم ما أظهر القوم وما أضمروا، ونحن نعلم ما أظهروا، ولا نعلم ما أضمروا، فعلمك فيهم أنفذ من علمنا، هذا اختيار ابن الأنباري.
والسادس: (لا علم لنا) بجميع أفعالهم إذ كنا نعلم بعضها وقت حياتنا، ولا نعلم ما كان بعد وفاتنا، وإنما يستحق الجزاء بما تقع به الخاتمة، حكاه ابن الأنباري. قال المفسرون: إذا رد الأنبياء العلم إلى الله أبلست الأمم، وعلمت أن ما أتته في الدنيا غير غائب عنه، وأن الكل لا يخرجون عن قبضته.
قوله تعالى: (علام الغيوب) قال الخطابي: العلام: بمنزلة العليم، وبناء " فعال " بناء التكثير، فأما " الغيوب " فجمع غيب، وهو ما غاب عنك.
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين (110) قوله تعالى: (إذ قال الله يا عيسى) قال ابن عباس: معناه: وإذ يقول.
قوله تعالى: (اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) في تذكيره النعم فائدتان:
إحداهما: إسماع الأمم ما خصه به من الكرامة.
والثانية: توكيد حجته على جاحده. ومن نعمه على مريم أنه اصطفاها وطهرها، وأتاها برزقها من غير سبب. وقال الحسن: المراد بذكر النعمة: الشكر. فأما النعمة، فلفظها لفظ الواحد، ومعناها الجمع. فإن قيل: لم قال هاهنا: * (فتنفخ فيها) * وفي (آل عمران) " فيه "؟ فالجواب: أنه جائز أن يكون ذكر الطير على معنى الجميع، وأنث على معنى الجماعة، وجاز أن يكون " فيه " للطير،