والثاني: أن المعنى: لأحرضن بين ولأجتهدن في ذلك، لا أنه كان يعلم الغيب، قاله ابن الأنباري.
والثالث: أن من الجائز أن يكون علم من جهة الملائكة بخبر من الله تعالى أن أكثر الخلق لا يشكرون، ذكره الماوردي، فإن قيل: فلم اقتصر على بعضهم؟ فقال: (نصيبا مفروضا) وقال:
(ولا تجد أكثرهم شاكرين) وقال: (إلا قليلا)، فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه يجوز أن يكون علم مآل الخلق من جهة الملائكة، كما بينا.
والثاني: أنه لما لم ينل من آدم كل ما يريد، طمع في بعض أولاده، وأيس من بعض.
والثالث: أنه لما عاين الجنة والنار، علم أنهما خلقتا لمن يسكنهما، فأشار بالنصيب المفروض إلى ساكني النار.
قوله تعالى: (يعدهم) يعني: الشيطان يعد أولياءه. وفيما يعدهم به قولان:
أحدهما: أنه لا بعث لهم، قاله مقاتل.
والثاني: النصرة لهم، ذكره أبو سليمان الدمشقي، وفيما يمنيهم قولان:
أحدهما: الغرور والأماني، مثل أن يقول: سيطول عمرك، وتنال من الدنيا مرادك:
والثاني: الظفر بأولياء الله.
يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122) قوله تعالى: (وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) أي: باطلا يغرهم به، فأما المحيص، فقال الزجاج: هو المعدل والملجأ، يقال: حصت عن الرجل أحيص، ورووا: جضت أجيض بالجيم والضاد، بمعنى: حصت، ولا يجوز ذلك في القرآن، وإن كان المعنى واحدا، لأن القراءة سنة، والذي في القرآن أفصح مما يجوز، ويقال: حصت أحوص حوصا وحياصة: إذا خطت، قال الأصمعي: يقال: حص عين صقرك، أي: خط عينه، والحوص في العين: ضيق مؤخرها، ويقال:
وقع في حيص بيص، وحاص باص: إذا وقع فيما لا يقدر على التخلص منه.