صعد إلى السماء، لأنه لا يحيي الموتى ولا يبرئ الأكمه والأبرص إلا الله. وقال الثاني: ليس كذلك، لأنا قد عرفنا عيسى، وعرفنا أمه، ولكنه ابن الله. وقال الثالث: لا أقول كما قلتما، ولكن جاءت به أمه من عمل غير صالح. فقال الرابع: لقد قلتم قبيحا، ولكنه عبد الله ورسوله، وكلمته، فخرجوا، فاتبع كل رجل منهم عنق من الناس. قال المفسرون: ومعنى الآية: أن النصارى قالت: الإلهية مشتركة بين الله وعيسى ومريم، وكل واحد منهم إله. وفي الآية إضمار، فالمعنى: ثالث ثلاثة آلهة، فحذف ذكر الآلهة، لأن المعنى مفهوم، لأنه لا يكفر من قال: هو ثالث ثلاثة، ولم يرد الآلهة، لأنه ما من اثنين إلا وهو ثالثهما، وقد دل على المحذوف قوله [تعالى]: (وما من إله إلا إله واحد). قال الزجاج: ومعنى ثالث ثلاثة: أنه أحد ثلاثة.
ودخلت " من " في قوله [تعالى]: (وما من إله) للتوكيد. والذين كفروا منهم، هم المقيمون على هذا القول. وقال ابن جرير: المعنى: ليمسن الذين يقولون: المسيح هو الله، والذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، وكل كافر يسلك سبيلهم، عذاب أليم.
أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74) قوله تعالى: (أفلا يتوبون إلى الله) قال الفراء: لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الأمر، كقوله [تعالى]: (فهل أنتم منتهون).
ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون (75) قوله تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول) فيه رد على اليهود في تكذيبهم رسالته، وعلى النصارى في ادعائهم إلهيته. والمعنى: أنه ليس بإله، وإنما حكمه حكم من سبقه من الرسل. وفي قوله [تعالى]: (وأمه صديقة) رد على من نسبها من اليهود إلى الفاحشة. قال الزجاج: والصديقة: المبالغة في الصدق، وصديق " فعيل " من أبنية المبالغة، كما تقول: فلان سكيت، أي: مبالغ في السكوت. وفي قوله [تعالى]: (كانا يأكلان الطعام) قولان:
أحدهما: أنه بين أنهما يعيشان بالغذاء، ومن لا يقيمه إلا أكل الطعام فليس بإله، قاله الزجاج.