وقال آخر:
وما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي انا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغيني ومثله قوله [تعالى]: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) ولم يذكر ضده، لأن في قوله: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). دليلا على ما أضمر من ذلك، وقد رد هذا القول الزجاج، فقال: قد جرى ذكر أهل الكتاب في قوله [تعالى]: (كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون الأنبياء بغير حق) فأعلم الله أن منهم أمة قائمة. فما الحاجة إلى أن يقال: وأمة غير قائمة؟ وإنما بدأ بذكر فعل الأكبر منهم، وهو الكفر والمشاقة، فذكر من كان منهم مباينا لهؤلاء. قال: و (آناء الليل) ساعاته، وواحد الآناء: إني. قال ابن فارس: يقال: مضى من الليل إني وإنيان، والجمع: الآناء.
واختلف المفسرون: هل هذه الآناء معينة من الليل أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنها معينة، ثم فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها صلاة العشاء، قاله ابن مسعود، ومجاهد.
والثاني: أنها ما بين المغرب والعشاء، رواه سفيان عن منصور.
والثالث: جوف الليل، قاله السدي.
والثاني: أنها ساعات الليل من غير تعيين، قاله قتادة في آخرين.
وفي قوله [تعالى]: (وهم يسجدون)، قولان:
أحدهما: أنه كناية عن الصلاة، قاله مقاتل، والفراء، والزجاج.
والثاني: أنه السجود المعروف، وليس المراد أنهم يتلون في حال السجود، ولكنهم جمعوا الأمرين، التلاوة والسجود.
يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين (114) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين (115) قوله [تعالى]: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر وأبو بكر عن عاصم: تفعلوا، وتكفروه، بالتاء في الموضعين على الخطاب، لقوله [تعالى]: (كنتم خير أمة).
قال قتادة: فلن تكفروه: لن يضل عنكم. وقرأ قوم، منهم: حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وعبد الوارث عن أبي عمرو: يفعلوا، ويكفروا بالياء فيهما، إخبارا عن الأمة القائمة. وبقية