والثالث: عند عقبة حراء، حكاه ابن جرير الطبري. وفي قوله [تعالى]: (فأصبح من الخاسرين) ثلاثة أقوال:
أحدها: من الخاسرين الدنيا والآخرة، فخسرانه الدنيا: أنه أسخط والديه، وبقي بلا أخ، وخسرانه الآخرة: أنه أسخط ربه، وصار إلى النار، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه أصبح من الخاسرين الحسنات، قاله الزجاج.
والثالث: من الخاسرين أنفسهم باهلاكهم إياها، قاله القاضي أبو يعلى.
فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه، كيف يوري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من الندمين (31) قوله تعالى: (فبعث الله غرابا يبحث) قال ابن عباس: حمله على عاتقه، فكان إذا مشى تخط يداه ورجلاه في الأرض، وإذا قعد وضعه إلى جنبه حتى رأى غرابين اقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، ثم بحث له الأرض حتى واراه بعد أن حمله سنين. وقال مجاهد: حمله على عاتقه مائة سنة. وقال عطية: حمله حتى أروح. وقال مقاتل: حمله ثلاثة أيام. وفي المراد بسوأة فقال أخيه قولان:
أحدهما: عورة أخيه.
والثاني: جيفة أخيه.
قوله تعالى: (فأصبح من النادمين) فإن قيل: أليس الندم توبة، فلم لم يقبل منه؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدها: أنه يجوز أن لا يكون الندم توبة لمن تقدمنا: ويكون توبة لهذه الأمة، لأنها خصت بخصائص لم تشارك فيها، قاله الحسن بن الفضل.
والثاني: أنه ندم على حمله لا على قتله.
والثالث: أنه ندم إذ لم يواره حين قتله.
والرابع: أنه ندم على فوات أخيه، لا على ركوب الذنب. وفي هذه القصة تحذير من الحسد، لأنه الذي أهلك قابيل.
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)