قوله تعالى: (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) قال ابن عباس: اقض بيننا وبينهم. وقال أبو عبيدة: باعد، وافصل، وميز. وفي المراد بالفاسقين ثلاثة أقوال:
أحدها: العاصون، قاله ابن عباس.
والثاني: الكاذبون، قاله ابن زيد.
والثالث: الكافرون، قاله أبو عبيدة: قال السدي: غضب موسى حين قالوا له: اذهب أنت وربك، فدعا عليهم، وكانت عجلة من موسى عجلها.
قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين (26) قوله تعالى: (فإنها محرمة عليهم) الإشارة إلى الأرض المقدسة. ومعنى تحريمها عليهم:
منعهم منها. فأما نصب " الأربعين "، فقال الفراء: هو منصوب بالتحريم، وجائز أن يكون منصوبا ب " يتيهون ". وقال الزجاج: لا يجوز أن ينتصب بالتحريم، لأن التفسير جاء أنها محرمة عليهم أبدا قلت: وقد اختلف المفسرون في ذلك، فذهب الأكثرون، منهم عكرمة، وقتادة، إلى ما قال الزجاج، وأنها حرمت عليهم أبدا، قال عكرمة: فإنها محرمة عليهم أبدا يتيهون في الأرض أربعين سنة، وذهب قوم، منهم البيع بن أنس، إلى انها حرمت عليهم أربعين سنة، ثم أمروا بالسير إليها، وهذا اختيار ابن جرير. قال: إنما نصبت بالتحريم، والتحريم كان عاما في حق الكل، ولم يدخلها في هذه المدة منهم أحد، فلما انقضت، أذن لمن بقي منهم بالدخول مع ذراريهم.
قال أبو عبيدة: ومعنى: يتيهون: يحورون ويضلون.
الإشارة إلى قصتهم قال ابن عباس: حرم الله على الذين عصوا دخول بيت المقدس، فلبثوا في تيههم أربعين سنة، وماتوا في التيه، ومات موسى وهارون، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بأبناء القوم، وناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين فافتتحها. وقال مجاهد: تاهوا أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا. وقال السدي: لما ضرب الله عليهم التيه، ندم موسى على دعائه عليهم، وقالوا له: ما صنعت بنا، أين الطعام؟ فأنزل الله المن. قالوا: فأين الشراب؟ فأمر موسى أن يضرب بعصاه الحجر. قالوا: فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام. قالوا: فأين اللباس؟ وكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان، ولا يتخرق لهم ثوب، وقبض موسى ولم يبق