والثاني: أن رجلا قال: يا ليتنا نعلم ما لقي إخواننا الذين استشهدوا، فنزلت، قاله مقاتل.
والثالث: أن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور، تحسروا، وقالوا نحن في النعمة والسرور، وآباؤنا، وأبناؤنا، وإخواننا، في القبور، فنزلت هذه الآية، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.
فأما التفسير، فمعنى الآية: لا تحسبنهم أمواتا كالأموات الذين لم يقتلوا في سبيل الله، وقد بينا هذا المعنى في (البقرة) وذكرنا أن معنى حياتهم: أن أرواحهم في حواصل طير تأكل من ثمار الجنة، وتشرب من أنهارها. قال مجاهد: يرزقون من ثمر الجنة.
فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) قوله تعالى: (فرحين) قال ابن قتيبة: الفرح: المسرة، فأما الذي آتاهم الله، فما نالوا من كرامة الله ورزقه، والاستبشار: السرور بالبشارة (للذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) إخوانهم من المسلمين. وفي سبب استبشارهم بهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى ما أخبر بكرامة الشهداء، أخبر الشهداء بأني قد أنزلت على نبيكم، وأخبرته بأمركم، فاستبشروا، وعلموا أن إخوانهم سيحرصون على الشهادة، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: يستبشرون بإخوانهم الذين يرجون لهم الشهادة، يقولون: إن قتلوا نالوا ما نلنا من الفضل، قاله قتادة.
والثالث: أن الشهيد يؤتى بكتاب فيه ذكر من تقدم عليه من إخوانه وأهله، وفيه يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا، فيستبشر بقدومه، كما يستبشر أهل الغائب به، هذا قول السدي. " والهاء " و " الميم " في قوله تعالى: (أن لا خوف عليهم) تعود إلى الذين لم يلحقوا بهم. قال الفراء:
معناه: يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم، ولا حزن. وفي ماذا يرتفع " الخوف " و " الحزن " عنهم؟ فيه قولان:
أحدهما: لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم، ولا يحزنون على ما خلفوا من أموالهم.
والثاني: لا خوف عليهم فيما يقدمون عليه، ولا يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة.
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171)