والقول الثاني: أنه عام. قال الزجاج: يجوز أن يراد به النصارى، لأنهم كانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود.
قوله تعالى: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) وليس ذلك من أمر شريعتنا؟ فالجواب: أنه مدحهم بالتمسك بدين عيسى حين استعملوا في أمر محمد ما أخذ عليهم في كتابهم، وقد كانت الرهبانية مستحسنة في دينهم. والمعنى بأن فيهم علماء بما أوصى به عيسى من أمر محمد [صلى الله عليه وسلم]. قال القاضي أبو يعلى: وربما ظن جاهل أن في هذه الآية مدح النصارى، وليس كذلك، لأنه إنما مدح من آمن منهم، ويدل عليه ما بعد ذلك، ولا شك أن مقالة النصارى أقبح من مقالة اليهود.
قوله تعالى: (وأنهم لا يستكبرون)، أي: لا يتكبرون عن اتباع الحق.
قوله تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) قال ابن عباس: لما حضر أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] بين يدي النجاشي، وقرؤوا القرآن، سمع ذلك القسيسون والرهبان، فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، فقال الله تعالى: (ذلك بأن منهم قسيسين) إلى قوله [تعالى]:
(الشاهدين). وقال سعيد بن جبير: بعث النجاشي من خيار أصحابه ثلاثين رجلا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقرأ عليهم القرآن، فبكوا ورقوا، وقالوا: نعرف والله، وأسلموا، وذهبوا إلى النجاشي فأخبروه فأسلم، فأنزل الله فيهم (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول...) الآية. وقال السدي:
كانوا اثني عشر رجلا، سبعة من القسيسين، وخمسة من الرهبان، فلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، بكوا وآمنوا، فنزلت هذه الآية فيهم.
قوله تعالى: (فاكتبنا مع الشاهدين)، أي: مع من يشهد بالحق، وللمفسرين في المراد بالشاهدين هاهنا أربعة أقوال:
أحدها: محمد وأمته، رواه علي بن أبي طلحة، وعكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم]، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: الذين. يشهدون بالإيمان، قاله الحسن.
والرابع: الأنبياء والمؤمنون، قاله الزجاج.
وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين (84) فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين (85) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب الجحيم (86) قوله تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله) قال ابن عباس: لامهم قومهم على الإيمان، فقالوا