يقتلوا، أخذوا المال أو لم يأخذوا، والصلب بعد القتل. وقال أبو حنيفة، ومالك: يصلب ويبعج برمح حتى يموت. واختلفوا في مقدار زمان الصلب. فعندنا أنه يصلب بمقدار ما يشتهر صلبه.
واختلف أصحاب الشافعي، فقال بعضهم: ثلاثة أيام، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال بعضهم: يترك حتى يسيل صديده. قال أبو عبيدة: معنى " من خلاف " أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، يخالف بين قطعهما. فأما " النفي " فأصله الطرد والإبعاد. وفي صفة نفيهم أربعة أقوال:
أحدها: إبعادهم من بلاد الإسلام إلى دار الحرب، قاله أنس بن مالك، والحسن، وقتادة، وهذا إنما يكون في حق المحارب المشرك، فأما المسلم فلا ينبغي أن يضطر إلى ذلك.
والثاني: أن يطلبوا لتقام عليهم الحدود، فيبعدوا، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثالث: إخراجهم من مدينتهم إلى مدينة أخرى، قاله سعيد بن جبير. وقال مالك: ينفى إلى بلد غير بلده، فيحبس هناك.
والرابع: أنه الحبس، قاله أبو حنيفة وأصحابه. وقال أصحابنا: صفة النفي: أن يشرد ولا يترك يأوي في بلد، فكلما حصل في بلد نفي إلى بلد غيره، وفي (الخزي) قولان:
أحدهما: انه العقاب.
والثاني: الفضيحة.
وهل يثبت لهم حكم المحاربين في المصر، أم لا؟ ظاهر كلام أصحابنا أنه لا يثبت لهم ذلك في المصر وهو قول أبي حنيفة. وقال الشافعي، وأبو يوسف: المصر والصحارى سواء، ويعتبر في المال المأخوذ قدر نصاب، كما يعتبر في حق السارق، خلافا لمالك.
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (34) قوله تعالى: (إلا الذين تابوا) قال أكثر المفسرين: هذا الاستثناء في المحاربين المشركين إذا تابوا من شركهم وحربهم وفسادهم، وآمنوا قبل القدرة عليهم، فلا سبيل عليهم فيما أصابوا من مال أو دم، وهذا لا خلاف فيه. فأما المحاربون المسلمون، فاختلفوا فيهم، ومذهب أصحابنا: أن حدود الله تسقط عنهم من انحتام القتل والصلب والقطع والنفي. فأما حقوق الآدميين من الجراح والأموال، فلا تسقطها التوبة، وهذا قول الشافعي.