فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم، وتأكل خطاياهم، ثم ينادي مناد: أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل. وقيل: إنهم لما قالوا: المسيح ابن الله، كان معنى قولهم: (نحن أبناء الله) أي: منا ابن الله. وفي قوله: (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) إبطال لدعواهم، لأن الأب لا يعذب ولده، والحبيب لا يعذب حبيبه وهم يقولون: إن الله يعذبنا أربعين يوما بالنار. وقيل: معنى الكلام: فلم عذب منكم من مسخه قردة وخنازير؟ وهم أصحاب السبت والمائدة.
قوله تعالى: (بل أنتم ممن خلق) أي: أنتم كسائر بني آدم تجازون بالإحسان والإساءة. قال عطاء: يغفر لمن يشاء، وهم الموحدون، ويعذب من يشاء، وهم المشركون.
يا أهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير (19) قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا) سبب نزولها: أن معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب، قالوا: يا معشر اليهود اتقوا الله، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه بصفته. فقال وهب بن يهوذا، ورافع: ما قلنا هذا لكم، وما أنزل الله بعد موسى من كتاب، ولا أرسل رسولا بشيرا ولا نذيرا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
فأما " الفترة " فأصلها السكون، يقال: فتر الشئ يفتر فتورا: إذا سكنت حدته، وانقطع عما كان عليه، والطرف الفاتر: الذي ليس بحديد. والفتور: الضعف. وفي مدة الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام أربعة أقوال:
أحدها: أنه كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال سلمان الفارسي، ومقاتل.
والثاني: خمسمائة سنة وستون سنة، قاله قتادة.
والثالث: أربع مائة وبضع وثلاثون سنة، قاله الضحاك.
والرابع: خمسمائة سنة وأربعون سنة، قاله ابن السائب. وقال أبو صالح عن ابن عباس (على فترة من الرسل) أي: انقطاع منهم، قال: وكان بين ميلاد عيسى، وميلاد محمد عليهما السلم خمسمائة سنة وتسعة وتسعون سنة، وهي فترة. وكان بعد عيسى أربعة من الرسل، فذلك قوله [تعالى]: (إذا أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث). قال: والرابع لا أدري من هو.