وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (104) قوله تعالى: (وإذا قيل لهم) يعني: إذا قيل لهؤلاء المشركين الذين حرموا على أنفسهم هذه الأنعام: تعالوا إلى ما أنزل الله في القرآن من تحليل ما حرمتهم على أنفسكم، قالوا: (حسبنا) أي: يكفينا (ما وجدنا عليه آباءنا) من الدين والمنهاج (أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا) من الدين (ولا يهتدون) له، أيتبعونهم في خطئهم.
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون (105) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هجر، وعليهم المنذر بن ساوي يدعوهم إلى الاسلام، فإن أبوا فليؤدوا الجزية، فلما أتاه الكتاب، عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصارى والمجوس، فأقروا بالجزية، وكرهوا الإسلام، فكتب إليهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: " أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس، فاقبل منهم الجزية " فلما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت العرب، وأعطى أهل الكتاب والمجوس الجزية، فقال منافقو مكة:
عجبا لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا، وقد قبل من مجوس هجر، وأهل الكتاب الجزية، فهلا أكرههم على الاسلام، وقد ردها على إخواننا من العرب، فشق ذلك على المسلمين، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل: كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلما أسلمت العرب طوعا وكرها، قبلها من مجوس هجر، فطعن المنافقون في ذلك، فنزلت هذه الآية.
والثاني: أن الرجل كان إذا أسلم، قالوا له: سفهت آباءك وضللتهم، وكان ينبغي لك أن تنصرهم، فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد. قال الزجاج: ومعنى الآية: إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم، ولا يؤاخذكم بذنوب غيركم، وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف، لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له، فهو ضال، وليس بمهتد. وقال عثمان بن عفان: لم يأت تأويلها بعد. وقال ابن