على كفرهم، وإن تغفر لهم، فبتوبة كانت منهم. وقال الزجاج: علم عيسى أن منهم من آمن، ومنهم من أقام على الكفر، فقال في جملتهم: (إن تعذبهم) أي: إن تعذب من كفر منهم فإنهم عبادك، وأنت العادل فيهم، لأنك قد أوضحت لهم الحق، فكفروا، وإن تغفر لهم، أي: وإن تغفر لمن أقلع منهم، وآمن، ذلك تفضل منك، لأنه قد كان لك أن لا تغفر لهم بعد عظيم فريتهم، وأنت في مغفرتك لهم عزيز، لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك. وقال ابن الأنباري: معنى الكلام:
لا ينبغي لأحد أن يعترض عليك، فإن عذبتهم، فلا اعتراض عليك، وإن غفرت لهم - ولست فاعلا إذا ماتوا على الكفر - فلا اعتراض عليك. وقال غيره: العفو لا ينقص عزك، ولا يخرج عن حكمك.
وقد روى أبو ذر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام ليلة بآية يرددها: (إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير (120) قوله تعالى: (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) قرأ الجمهور برفع اليوم، وقرأ نافع بنصبه على الظرف. قال الزجاج: المعنى: قال الله هذا لعيسى في يوم ينفع الصادقين صدقهم، ويجوز أن يكون على معنى: قال الله هذا الذي ذكرناه يقع في يوم ينفع في يوم ينفع الصادقين صدقهم. والمراد باليوم: يوم القيامة. وإنما خص نفع الصدق به، لأنه يوم الجزاء. وفي هذا الصدق قولان:
أحدهما: أنه صدقهم في الدنيا ينفعهم في الآخرة.
والثاني: صدقهم في الآخرة ينفعهم هنالك. وفي هذه الآية تصديق لعيسى فيما قال.
قوله تعالى: (رضي الله عنهم) أي: بطاعتهم، (ورضوا عنه) بثوابه. وفي قوله [تعالى]: (لله ملك السماوات والأرض) تنبيه على عبودية عيسى، وتحريض على تعليق الآمال بالله وحده.
تم - بعون الله تبارك وتعالى - الجزء الثاني، من كتاب " زاد المسير في علم التفسير " ويليه الجزء الثالث وأوله تفسير " سورة الأنعام "