فصل وهذه الآية اقتضت وجوب القطع على كل سارق، وبينت السنة أن المراد به السارق لنصاب من حرز مثله، كما قال تعالى: (فاقتلوا المشركين) ونهى النبي [صلى الله عليه وسلم] عن قتل النساء، والصبيان، وأهل الصوامع. واختلف في مقدار النصاب، فمذهب أصحابنا: أن للسرقة نصابين: أحدهما: من الذهب ربع دينار، ومن الورق ثلاثة دراهم، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض وهو قول مالك.
وقال أبو حنيفة: لا يقطع حتى تبلغ السرقة عشرة دراهم. وقال الشافعي: الاعتبار في ذلك بربع دينار، وغيره مقوم به، فلو سرق درهمين قيمتهما ربع دينار، قطع فإن سرق نصابا من التبر، فعليه القطع. وقال أبو حنيفة: لا يقطع حتى يبلغ ذلك نصابا مضروبا، فإن سرق منديلا لا يساوي نصابا، في طرفه دينار، وهو لا يعلم، لا يقطع. وقال الشافعي: يقطع. فإن سرق ستارة الكعبة، قطع، خلافا لأبي حنيفة. فإن سرق صبيا صغيرا حرا، لم يقطع، وإن كان على الصغير حلي، وقال مالك:
يقطع بكل حال. وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب، قطعوا، وبه قال مالك، إلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلا يحتاج إلى معاونة بعضهم لبعض في إخراجه. وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا قطع عليه بحال ويجب القطع على جاحد العارية عندنا، وبه قال سعيد بن المسيب، والليث بن سعد، خلافا لأكثر الفقهاء.
فأما الحرز، فهو ما جعل للسكنى، وحفظ الأموال، كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس، ويحفظون أمتعتهم بها، فكل ذلك حرز، وإن لم يكن فيه حافظ ولا عنده، وسواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب، أو لا باب له إلا أنه محجر بالبناء. فأما ما كان في غير بناء ولا خيمة، فإنه ليس في حرز إلا أن يكون عنده من يحفظه. ونقل الميموني عن أحمد: إذا كان المكان مشتركا في الدخول إليه، كالحمام والخيمة لم يقطع السارق منه، ولم يعتبر الحافظ. ونقل عنه ابن منصور:
لا يقطع سارق الحمام إلا أن يكون على المتاع أجير حافظ. فأما النباش، فقال أحمد في رواية أبي طالب: يقطع، وبه قال مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى. وقال الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة: لا يقطع.
فصل فأما موضع قطع السارق، فمن مفصل الكف، وممن مفصل الرجل. فأما اليد اليسرى