والثاني: أن المعنى: لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا، هذا قول مجاهد.
قوله تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) فيه قولان:
أحدهما: لجمعكم على الحق.
والثاني: لجعلكم على ملة واحدة (ولكن ليبلوكم) أي: ليختبركم (في ما آتاكم) من الكتب، وبين لكم من الملل. فإن قيل: إذا كان المعنى بقوله [تعالى]: (لكل جعلنا منكم شرعة): نبينا محمد مع سائر الأنبياء قبله، فمن المخاطب بقوله [تعالى]: (ليبلوكم)؟
فالجواب: أنه خطاب لنبينا، والمراد به سائر الأنبياء والأمم. قال ابن جرير: والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا، فأرادت الخبر عنه أن تغلب المخاطب، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب.
قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) قال ابن عباس، والضحاك: هو خطاب لأمة محمد عليه السلام. قال مقاتل: و " الخيرات ": الأعمال الصالحة. (إلى الله مرجعكم) في الآخرة (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) من الدين. قال ابن جرير: قد بين ذلك في الدنيا بالأدلة والحجج، وغدا يبينه بالمجازاة.
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون (49) قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) سبب نزولها: أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد، وعبد الله بن صوريا، وشأس بن قيس، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه، فقالوا: يا محمد، قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم، وأنا إن تبعناك، اتبعك اليهود، وإن بيننا وبين قوم خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونحن نؤمن بك، فأبى ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، ونزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس. وذكر مقاتل: أن جماعة من بني النضير قالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء. كما كنا عليه من قبل، ونبايعك؟ فنزلت هذه الآية. قال القاضي أبو يعلى: وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم، وإنما نزلتا في شيئين مختلفين:
أحدهما: في شأن الرجم.