والثاني: يئسوا من بطلان الإسلام، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: وإنما يئسوا من إبطال دينهم لما نقل الله خوف المسلمين إليهم. وأمنهم إلى المسلمين، فعلموا أنهم لا يقدرون على إبطال دينهم، ولا على استئصالهم، وإنما قاتلوهم بعد ذلك ظنا منهم أن كفرهم يبقى.
قوله تعالى: (فلا تخشوهم) قال ابن جريج: لا تخشوهم أن يظهروا عليكم، وقال ابن السائب: لا تخشوهم أن يظهروا على دينكم، واخشوني في مخالفة أمري.
قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) روى البخاري، ومسلم في " الصحيحين " من حديث طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية من كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية هي؟ قال: قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله وهو قائم بعرفة في يوم جمعة. وفي لفظ " نزلت عشية عرفة " قال سعيد بن جبير: عاش رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعد ذلك أحدا وثمانين يوما. فأما قوله تعالى: (اليوم) ففيه قولان:
أحدهما: أنه يوم عرفة، وهو قول الجمهور.
والثاني: أنه ليس بيوم معين، رواه عطية عن ابن عباس، وقد ذكرنا هذا آنفا. وفي معنى إكمال الدين خمسة أقوال:
أحدها: أنه إكمال فرائضه وحدوده، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم، قاله ابن عباس، والسدي، فعلى هذا يكون المعنى: اليوم أكملت لكم شرائع دينكم.
والثاني: انه بنفي المشركين عن البيت، فلم يحج معهم مشرك عامئذ، قاله سعيد بن جبير، وقتادة. وقال الشعبي: كمال الدين هاهنا: عزه وظهوره، وذل الشرك ودروسه، لا تكامل الفرائض والسنن، لأنها لن تزل تنزل إلى أن قبض رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فعلى هذا يكون المعنى: اليوم أكملت لكم نصر دينكم.
والثالث: أنه رفع النسخ عنه. وأما الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتى قبض، روي عن ابن جبير أيضا.
والرابع: أنه زوال الخوف من العدو، والظهور عليهم، قاله الزجاج.
والخامس: أنه أمن هذه الشريعة من أن تنسخ بأخرى بعدها، كما نسخ بها ما تقدمها. وفي إتمام النعمة ثلاثة أقوال: