والثاني: أنه المسخ، قاله مجاهد، لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، وعلى لسان عيسى، فصاروا خنازير. وقال الحسن، وقتادة: لعن أصحاب السبت على لسان داود، فإنهم لما اعتدوا، قال داود: اللهم العنهم، واجعلهم آية، فمسخوا قردة. ولعن أصحاب المائدة على لسان عيسى، فإنهم لما أكلوا منها ولم يؤمنوا، قال عيسى: اللهم العنهم كما لعنت أصحاب السبت، فجعلوا خنازير.
قوله تعالى: (ذلك بما عصوا) أي: ذلك اللعن بمعصيتهم لله تعالى في مخالفتهم أمره ونهيه، وباعتدائهم في مجاوزة ما حده لهم.
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79) قوله تعالى: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) التناهي: تفاعل من النهي، أي: كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن المنكر. وذكر المفسرون في هذا المنكر ثلاثة أقوال:
أحدها: صيد السمك يوم السبت.
والثاني: أخذ الرشوة في الحكم.
والثالث: أكل الربا، وأثمان الشحوم. وذكر المنكر منكرا يدل على الإطلاق ويمنع هذا الحصر، ويدل على ما قلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه، فلما رأى الله تعالى ذلك منهم، ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ".
قوله تعالى: (لبئس ما كانوا يفعلون) قال الزجاج: اللام دخلت للقسم والتوكيد، والمعنى: لبئس شيئا فعلهم.
ترى كثير منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خلدون (80) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون (81) قوله تعالى: (ترى كثيرا منهم) في المشار إليهم قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد.