أحدهما: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، فاغسلوا، فصار الحدث مضمرا في وجوب الوضوء، وهذا قول سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس، والفقهاء.
والثاني: أن الكلام على إطلاقه من غير إضمار، فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة، محدثا كان، أو غير محدث، وهذا مروي عن علي رضي الله عنه وعكرمة، وابن سيرين. ونقل عنهم أن هذا الحكم غير منسوخ، ونقل عن جماعة من العلماء أن ذلك كان واجبا، ثم نسخ بالسنة، وهو ما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: لقد صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال: " عمدا فعلته يا عمر " وقال قوم: في الآية تقديم وتأخير، ومعناها: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء، فاغسلوا وجوهكم.
قوله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق) " إلى " حرف موضوع للغاية، وقد تدخل الغاية فيها تارة، وقد لا تدخل، فلما كان الحدث يقينا، لم يرتفع إلا بيقين مثله، وهو غسل المرفقين. فأما الرأس فنقل عن أحمد وجوب مسح جميعه، وهو قول مالك، وروي عنه: يجب مسح أكثره، وروي عن أبي حنيفة روايتان.
إحداهما: أنه يتقدر بربع الرأس.
والثانية: بمقدار ثلاث أصابع.
قوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: بكسر اللام عطفا على مسح الرأس، وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم، ويعقوب: بفتح اللام عطفا على الغسل، فيكون من المقدم والمؤخر. قال الزجاج:
الرجل من أصل الفخذ إلى القدم، فلما حد الكعبين، علم أن الغسل ينتهي إليهما، ويدل على وجوب الغسل التحديد بالكعبين، كما جاء في تحديد اليد " إلى المرافق " ولم يجئ في شئ من المسح تحديد، ويجوز أن يراد الغسل على قراءة الخفض، لأن التحديد بالكعبين يدل على الغسل، فينسق وإن بالغسل على المسح. قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا * متقلدا سيفا ورمحا