والسادس: أنه أمر الله وطاعته، قاله مقاتل بن حيان. قال الزجاج: وقوله: " جميعا " منصوب على الحال، أي: كونوا مجتمعين على الاعتصام به. وأصل (تفرقوا): تتفرقوا، إلا أن التاء حذفت لاجتماع حرفين من جنس واحد، والمحذوفة هي الثانية، لأن الأولى دليلة على الاستقبال، فلا يجوز حذف الحرف الذي يدل على الاستقبال، وهو مجزوم بالنهي، والأصل: ولا تتفرقون، فحذفت النون، لتدل على الجزم.
قوله [تعالى]: (واذكروا نعمة الله عليكم) اختلفوا فيمن أريد بهذا الكلام على قولين:
أحدهما: أنهم مشركو العرب، كان القوي يستبيح الضعيف، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: الأوس والخزرج، كان بينهم حرب شديد، قاله ابن إسحاق. والأعداء: جمع عدو.
قال ابن فارس: وهو من عدا: إذا ظلم.
قوله [تعالى]: (فأصبحتم) أي: صرتم، قال الزجاج: وأصل الأخ في اللغة أنه الذي مقصده مقصد أخيه، والعرب تقول: فلان يتوخى مسار فلان، أي: ما يسره. والشفا: الحرف.
واعلم أن هذا مثل ضربه الله لإشرافهم على الهلاك. وقربهم من العذاب، كأنه قال: كنتم على حرف حفرة من النار، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا الموت على الكفر. قال السدي: فأنقذكم منها محمد صلى الله عليه وسلم.
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) قوله [تعالى]: (ولتكن منكم أمة) قال الزجاج: معنى الكلام: ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير، وتأمرون بالمعروف، ولكن " من " هاهنا تدخل لتحض المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين، ومثله: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) معناه: اجتنبوا الأوثان، فإنها رجس. ومثله قول الشاعر:
أخو رغائب يعطيها ويسألها * يأبى الظلامة منه النوفل الزفر وهو النوفل الزفر. لأنه وصفه باعطاء الرغائب. والنوفل: الكثير الإعطاء للنوافل، والزفر: الذي يحمل الأثقال. ويدل على أن الكل أمروا بالمعروف والنهي عن المنكر. قوله [تعالى]: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) قال: ويجوز أن يكون أمر منهم فرقة، لأن الدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه، وليس الخلق كلهم علماء ينوب بعض الناس فيه عن بعض، كالجهاد. فأما الخير، ففيه قولان: