قوله تعالى: (وقعدوا) يعني القائلين قعدوا عن الجهاد.
قوله تعالى: (فادرؤوا) أي: فادفعوا (عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين) أن الحذر ينفع مع القدر.
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) قوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) قرأ ابن عامر: قتلوا بالتشديد.
واختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في شهداء أحد، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم، وحسن مقيلهم، قالوا: ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، قال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى هذه الآية " وهذا قول سعيد بن جبير، وأبي الضحى.
والثاني: أنها نزلت في شهداء بدر لما أفضوا إلى كرامة الله عز وجل وقالوا: ربنا أعلم إخواننا، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول مقاتل.
والثالث: أنها نزلت في شهداء بئر معونة. روى محمد بن إسحاق عن أشياخ له، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث المنذر بن عمرو في سبعين رجلا من خيار المسلمين إلى أهل نجد، فلما نزلوا بئر معونة، خرج حزام بن ملحان إلى عامر بن الطفيل بكتاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فلم ينظر فيه عامر، وخرج رجل من كسر البيت برمح، فضرب به في جنب حرام حتى خرج من الشق الآخر، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، وقتل سائر أصحابه غير واحد منهم، قال أنس بن مالك: فأنزل الله تعالى فيهم: " بلغوا قومنا عنا أنا قد لقينا ربنا، فرضي عنا ورضينا عنه " ثم رفعت، فنزلت هذه الآية:
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا).
فهذا اختلاف الناس فيمن نزلت، واختلفوا في سبب نزولها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الشهداء بعد استشهادهم سألوا الله أن يخبر إخوانهم بمصيرهم، وقد ذكرناه عن ابن عباس.