والثاني: أنه القرآن، قاله محمد بن كعب القرظي، واختاره ابن جرير الطبري.
قوله تعالى: (ينادي للإيمان) فيه قولان:
أحدهما: أن معناه: ينادي إلى الإيمان، ومثله: (الذي هدانا لهذا)، (بأن ربك أوحى لها) قاله الفراء.
والثاني: بأنه مقدم ومؤخر، والمعنى: سمعنا مناديا للإيمان ينادي، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: (وكفر عنا سيئاتنا) قال مقاتل: امح عنا خطايانا. وقال غيره: غطها عنا، وقيل:
إنما جمع بين غفران الذنوب، وتكفير السيئات، لأن الغفران بمجرد الفضل، والتكفير بفعل الخير (وتوفنا مع الأبرار) قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي " الأبرار " و " الأشرار " و " ذات قرار " وما كان مثله بين الفتح والكسر، وقرأ ابن كثير، وعاصم بالفتح. ومعنى: (مع الأبرار) فيهم قال ابن عباس: وهم الأنبياء والصالحون.
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (194) قوله تعالى: (ربنا وآتنا ما وعدتنا) قال ابن عباس: يعنون: الجنة (على رسلك) أي: على ألسنتهم. فإن قيل: ما وجه هذه المسألة والله لا يخلف الميعاد؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه خرج مخرج المسألة، ومعناه: الخبر، تقديره: فآمنا، فاغفر لنا لتؤتينا ما وعدتنا.
والثاني: أنه سؤال له، أن يجعلهم ممن آتاه ما وعده، لا أنهم استحقوا ذلك، إذ لو كانوا قد قطعوا أنهم من الأبرار لكانت تزكية لأنفسهم.
والثالث: أنه سؤال لتعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء، لأنه وعدهم نصرا غير مؤقت، فرغبوا في تعجيله، ذكر هذه الأجوبة ابن جرير، وقال: أولى الأقوال بالصواب، أن هذه صفة المهاجرين، رغبوا في تعجيل النصر على أعدائهم. فكأنهم قالوا: لا صبر لنا على حلمك عن الأعداء فعجل خزيهم، وظفرنا عليهم.
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (195)