والثاني: أنها للتخيير، ذكره الماوردي.
فصل والقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة، أو من غير القبيلة لا يشك في إحكام هذه الآية. فأما القائل بأن المراد بقوله: " أو آخران من غيركم " أهل الكتاب إذا شهدوا على الوصية في السفر، فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنها محكمة، والعمل على هذا باق، وهو قول ابن عباس، وابن المسيب، وابن جبير، وابن سيرين، وقتادة، والشعبي، والثوري، وأحمد في آخرين.
والثاني: أنها منسوخة بقوله [تعالى]: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وهو قول زيد بن أسلم، وإليه يميل أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول، والأول أصح، لأن هذا موضع ضرورة كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال.
قوله تعالى: (إن أنتم ضربتم) هذا الشرط متعلق بالشهادة، والمعنى: ليشهدكم اثنان إن أنتم ضربتم في الأرض، أي: سافرتم. (فاصابتكم مصيبة الموت) فيه محذوف، تقديره: وقد أسندتم الوصية إليهما، ودفعتم إليهما مالكم (تحبسونهما من بعد الصلاة) خطاب للورثة إذا ارتابوا. وقال ابن عباس: هذا من صلة قوله: " أو آخران من غيركم " أي: من الكفار، فأما إذا كانا مسلمين، فلا يمين عليهما. وفي هذه الصلاة قولان:
أحدهما: صلاة العصر، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال شريح، وابن جبير، وإبراهيم، وقتادة، والشعبي.
والثاني: من بعد صلاتهما في دينهما، حكاه السدي عن ابن عباس، وقال به. وقال الزجاج:
كان الناس بالحجاز يحلفون بعد صلاة العصر، لأنه وقت اجتماع الناس. وقال ابن قتيبة: لأنه وقت يعظمه أهل الأديان.
قوله تعالى: (فيقسمان بالله) أي: فيحلفان (إن ارتبتم) أي: شككتم يا أولياء الميت.
ومعنى الآية: إذا قدم الموصى إليهما بتركة المتوفي، فاتهمهما الوارث، استحلفا بعد صلاة العصر:
أنهما لم يسرقا، ولم يخونا. فالشرط في قوله: " إن ارتبتم " متعلق بتحبسونهما، كأنه قال: إن ارتبتم حبستموهما فاستخلفتموهما، فيحلفان بالله: (لا نشتري به) أي: بأيماننا، وقيل: بتحريف شهادتنا، فالهاء عائدة على المعنى. (ثمنا) أي: عرضا من الدنيا (ولو كان ذا قربى) أي: ولو كان المشهود له ذا قرابة منا، وخص ذا القرابة، لميل القريب إلى قريبه. والمعنى: لا نحابي في شهادتنا