النبات الحسن، قولان:
أحدهما: أنه كمال النشوء، قال ابن عباس: كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام.
والثاني: أنه ترك الخطايا. حدثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب، كما يصيب بنو آدم.
قوله [تعالى]: (وكفلها) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: " وكفلها " بفتح الفاء خفيفة، و " زكرياء " مرفوع ممدود. وروى أبو بكر عن عاصم: تشديد الفاء، ونصب " زكرياء "، وكان يمد " زكرياء " في كل القرآن في رواية أبي بكر. وروى حفص عن عاصم: تشديد الفاء و " زكريا " مقصور في كل القرآن. وكان حمزة والكسائي يشددان و " كفلها "، ويقصران " زكريا " في كل القرآن.
فأما " زكريا " فقال الفراء: فيه ثلاث لغات: أهل الحجاز يقولون: هذا زكريا قد جاء، مقصور، وزكرياء، ممدود، وأهل نجد يقولون: زكري، فيجرونه، ويلقون الألف. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، عن ابن دريد، قال: زكريا اسم أعجمي، يقال: زكري، وزكرياء ممدود، وزكريا مقصور. وقال غيره: وزكري ولا بتخفيف الياء، فمن قال: زكرياء بالمد، قال في التثنية: زكريا وان، وفي الجمع زكرياوون، ومن قال: زكريا بالقصر، قال في التثنية زكريان كما نقول: مدنيان، ومن قال: زكري بتخفيف الياء، قال في التثنية: زكريان الياء خفيفه، وفي الجمع: زكرون بطرح الياء.
الإشارة إلى كفالة زكريا مريم قال السدي: انطلقت بها أمها في خرقها، وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم، فقال زكريا وهو نبيهم يومئذ: أنا أحقكم بها، عندي أختها، فأبوا، وخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، فجرت الأقلام، وثبت قلم زكريا، فكفلها، قال ابن عباس: كانوا سبعة وعشرين رجلا، فقالوا: نطرح أقلامنا، فمن صعد قلمه مغالبا للجرية فهو أحق بها، فصعد قلم زكريا، فعلى هذا القول كانت غلبة زكريا بمصاعدة قلمه، وعلى قول السدي بوقوفه في جريان الماء وقال مقاتل: كان يغلق عليها الباب، ومعه المفتاح، لا يأمن عليه أحدا، وكانت إذا حاضت، أخرجها إلى منزلة تكون مع أختها أم يحيى، فإذا طهرت، ردها إلى بيت المقدس. والأكثرون على أنه كفلها منذ كانت طفلة بالقرعة، وقد ذهب قوم إلى أنه كفلها عند طفولتها بغير قرعة، لأجل أن أمها ماتت، وكانت خالتها عنده، فلما بلغت، أدخلوها الكنيسة لنذر أمها، وإنما كان الاقتراع بعد ذلك بمدة، لأجل سنة أصابتهم. فقال محمد بن إسحاق: كفلها زكريا إلى أن أصابت الناس سنة، فشكا زكريا إلى بني إسرائيل ضيق يده، فقالوا: ونحن أيضا كذلك، فجعلوا يتدافعونها حتى اقترعوا، فخرج السهم على جريج النجار، وكان فقيرا وكان يأتيها باليسير، فينمي، فدخل زكريا، فقال: ما هذا على قدر نفقة جريج، فمن أين هذا؟ قالت: هو من عند الله والصحيح ما عليه الأكثرون، وأن القوم تشاحوا