القول الثاني: فقالوا: لا يمتنع أن يكون المحيض صفة لموضع، ثم وصفه بما قاربه وجاوره، كالعقيقة، فإنها اسم لشعر الصبي، وسميت بها الشاة التي تذبح عند حلق رأسه مجازا. والرواية:
اسم للجمل، وسميت المزادة راوية مجازا. والأذى يحصل للواطئ بالنجاسة، ونتن الريح. وقيل:
يورث جماع الحائض علة بالغة في الألم. (فاعتزلوا النساء في المحيض) المراد به اعتزال الوطء في الفرج، لأن المحيض نفس الدم أو نفس الفرج (ولا تقربوهن) أي: لا تقربوا جماعهن، وهو تأكيد لقوله: (فاعتزلوا النساء).
قوله [تعالى]: (حتى يطهرن) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص، عن عاصم (حتى يطهرن) خفيفة. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بكر، عن عاصم (يطهرن) بتشديد الطاء والهاء وفتحهما. قال ابن قتيبة: يطهرن: ينقطع عنهن الدم، يقال: طهرت المرأة وطهرت: إذا رأت الطهر، وإن لم تغتسل بالماء. ومن قرأ: " يطهرن " بالتشديد أراد:
يغتسلن بالماء والأصل يتطهرن، فأدغمت التاء في الطاء. قال ابن عباس ومجاهد: حتى يطهرن من الدم، فإذا تطهرن اغتسلن بالماء.
قوله [تعالى]: (فأتوهن) إباحة من حظر، لا على الوجوب.
قوله [تعالى]:) من حيث أمركم الله) فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن معناه. من قبل الطهر: لا من قبل الحيض: قال ابن عباس، وأبو رزين، وقتادة، والسدي في آخرين.
والثاني: أن معناه: فأتوهن من حيث أمركم الله أن لا تقربوهن فيه، وهو محل الحيض، قاله مجاهد. وقال من نصر هذا القول: إنما قال: (أمركم) والمعنى: نهاكم، لأن النهي أمر بترك المنهي عنه و " من " بمعنى " في ": كقوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة).
والثالث: فأتوهن من قبل التزويج والحلال، لا من قبل الفجور، قاله ابن الحنفية.
والرابع: أن معناه فاتوهن من الجهات التي يحل أن تقرب فيها المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا ينبغي مثل أن كن صائمات أو معتكفات أو محرمات. وهذا قول الزجاج، وابن كيسان. وفي قوله [تعالى]: (إن الله يحب التوابين) قولان:
أحدهما: التوابين من الذنوب، قاله عطاء، ومجاهد في آخرين.
والثاني: التوابين من إتيان الحيض ذكره بعض المفسرين.
وفي قوله: (ويحب المتطهرين) ثلاثة أقوال: