فحاربوهم فقتلوا مرثدا، وخالدا، وابن طارق، ونثر عاصم كنانته وفيها سبعة أسهم، فقتل بكل سهم رجلا من عظمائهم، ثم قال: اللهم إني حميت دينك صدر النهار، فاحم لحمي آخر النهار، ثم أحاطوا به فقتلوه، وأرادوا حز رأسه يبيعوه من سلافة بنت سعد، وكان قتل بعض أهلها، فنذرت:
لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر، فأرسل الله [تعالى] رجلا من الزنابير - فحمته، فلم يقدروا عليه، فقالوا: دعوه حتى يمسي فجاءت سحابة فأمطرت كالعزالي، فبعث الله الوادي، فاحتمله فذهب به، وأسروا خبيبا وزيدا، فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبا ليقتلوه، لأنه قتل آباءهم، فلما خرجوا به ليقتلوه قال: دعوني أصلي ركعتين، ثم قال: لولا أن تقولوا: جزع خبيب، لزدت، وأنشأ يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع فصلبوه حيا فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس حولي من يبلغ رسولك سلامي، فجاءه رجل منهم يقال له: أبو سروعة، ومعه رمح، فوضعه بين يدي خبيب، فقال له خبيب: اتق الله، فما زاده ذلك إلا عتوا فأما زيد، فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فجاءه سفيان بن حرب حين قدم ليقتله، فقال:
يا زيد! أنشدك الله، أتحب أن محمدا مكانك، وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي، ثم قتل. وبلغ النبي الخبر، فقال:
أيكم يحتمل خبيبا عن خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير: أنا وصاحبي المقداد، فخرجا يمشيان بالليل ويمكثان بالنهار، حتى وافيا المكان، وإذا حول الخشبة أربعون مشركا نيام نشاوى، وإذا هو رطب يتثنى لم يتغير فيه شئ بعد أربعين يوما، فحمله الزبير على فرسه، وسار فلحقه سبعون منهم، فقذف الزبير خبيبا فابتلعته الأرض، وقال الزبير: ما جرأكم علينا يا معشر قريش؟! ثم رفع العمامة عن رأسه وقال: أنا الزبير بن العوام، وأمي صفية بنت عبد المطلب، وصاحبي المقداد، أسدان رابضان يدفعان عن شبلهما، فإن شئتم ناضلتكم، وإن شئتم نازلتكم، وإن شئتم انصرفتم، فانصرفوا، وقدما على رسول [صلى الله عليه وآله وسلم]: وجبريل عنده، فقال: " يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك ".
وقال بعض المنافقين في أصحاب خبيب: ويح هؤلاء المقتولين لا في بيوتهم قعدوا، ولا