يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون (85) قوله [تعالى]: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم) أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، ولا يخرج بعضكم بعضا من داره. قال ابن عباس: ثم أقررتم يومئذ بالعهد، وأنتم اليوم تشهدون على ذلك، فالإقرار على هذا متوجه إلى سلفهم، والشهادة متوجهة إلى خلفهم. (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) أي: يقتل بعضكم بعضا. روى السدي عن أشياخه قال: كانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقاتلون في حرب سمير فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضير وحلفاءها فيقتلون ويخبرون الديار ويخرجون منها، فإذا أسر الرجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه، فتعيرهم العرب بذلك، فتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟! فيقولون: أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتلهم. فتقول العرب: فلم تقاتلونهم؟ فيقولون: نستحيي أن تستذل حلفاؤنا، فعيرهم الله، عز وجل فقال:
(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) إلى قوله [تعالى]:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) فكان إيمانهم ببعضه: فداءهم الأسارى، وكفرهم: قتل بعضهم بعضا.
قوله [تعالى]: (تظاهرون) قرأ عاصم وحمزة والكسائي (تظاهرون) وفي التحريم:
(تظاهرا) بتخفيف الظاء وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بتشديد الظاء مع إثبات الألف. وروي عن الحسن وأبي جعفر (تظهرون) بتشديد الظاء من غير الف، فالتظاهر: التعاون. قال ابن قتيبة:
وأصله من الظهر، فكأن التظاهر: أن يجعل كل واحد من الرجلين الآخر ظهرا له يتقوى به، ويستند إليه. قال مقاتل: والإثم: المعصية والعدوان: الظلم.
قوله [تعالى]: (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) أصل الأسر: الشد. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أسارى) وقرأ الأعمش وحمزة (أسرى) قال الفراء: أهل الحجاز يجتمعون الأسير:
" أسارى " وأهل نجد أكثر كلامهم " أسرى " وهو أجود الوجهين في العربية، لأنه بمنزلة قولهم: جريح وجرحى، وصريع وصرعى، وروى الأصمعي عن أبي عمرو قال: الأسارى: ما شدوا، والأسرى: في أيديهم، إلا أنهم لم يشدوا. قال الزجاج: " فعلى " جمع لكل ما أصيب به الناس