تعالى وبتركهم فيها، إلا أن الحركة نحو السعادة من الله وفي الله وإلى الله، والحركة نحو الشقاوة بنفس تركه تعالى في الظلمة التي نشأت من ذاته الإمكانية، ومن ملاحظة هذه الفقرة من هذه الآية وما مر من الآية السابقة من قوله تعالى: * (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * ونظائرهما، يظهر: أن المبادئ الموجبة للانحراف عن الجادة المستقيمة، والأسباب المورثة للضلالة في الطريقة الأصلية الصحيحة، كلها نشأت من ناحية المتحرك والسالك على الوجه المحرر مرارا فيما سبق وسلف.
إن قلت: كيف يصح نسبة الترك إليه تعالى، مع أن الترك الخاص المكاني وما شابهه غير معقول، والترك المطلق يستلزم انعدام الشئ، والخروج عن حكومته والالتحاق بالعدم، فلا يكونون في ظلمات لا يبصرون، بل يصيرون في ظلمة العدم، فلا يبقون أو يبصرون لأجل انتفاء الموضوع، وهو خلاف الواقع.
قلت: إن الإنسان بحسب الفطرة الأصلية تحت ظل العناية الإلهية والاسم " الهادي "، فإذا راعى السالك في سلوكه الجهات العقلية والشرعية، يكون مهتديا بالله تعالى وتحت لوائه، وأما إذا انحرف واتبع هواه وأخذ في سبيل الغي والشيطنة، فقد أخرج نفسه عن الاسم " الهادي "، فتركه الله تعالى، وفي نفس هذا الترك ظلمات، بل نفس تركه تعالى ظلمة وظلمات، فتركه تعالى ليس مطلقا، بل هو من الترك الخاص، ومن الخروج عن تحت الاسم والدخول في تحت الاسم الآخر " المضل "، على موازين عقلية وشواهد كشفية ومعاينات عرفانية، ولأجل