أهل النار ليس إلا أنهم مكلفون بالأصول والفروع، وقد أراد الله منهم الإيمان والهداية، فكفروا ولم يمتثلوا أوامره التكليفية، وأما نحن ففي مخلص لم يكن الله تعالى يريد منا شيئا جدا، ولا يعقل أن يرشدنا جدا إلى ما لا يسمع، ولا يمكن توجيه الأوامر الإرشادية الجدية بالنسبة إلينا، فعليه كيف يعقل أن يعاقبنا على ما لا يريد منا.
وإن شئت قلت: فليكن عقابنا على ما يعاقب الآخرين، وليس قطع العذر كافيا لاستحقاق العقوبة.
فما ذهب علماؤنا الأصوليون - إلا بعضهم - إليه: من أن حل هذه المشكلة بالأوامر الإعذارية ممكن، غير واقع في محله.
والذي تنحل به هذه المشاكل أحد أمور ثلاثة:
الأول: أن العقاب من تبعات الذوات والأخلاق والأفعال، والأوامر الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية.
الثاني: أن امتناع التكليف من ناحية سوء اختيار العبد، فلا يكون - حينئذ - هؤلاء العباد معذورين.
وبالجملة: ربما لا يتوجه إليهم التكليف، لقصور في المقتضي، أو لوجود المانع الراجع إليه أيضا، وربما يكون ذلك لأجل امتناع العبد عن الامتثال، لكن العقلاء بناؤهم على استحقاق هذا العبد.
الثالث: ما أشرنا إليه في هذا الكتاب مرارا - وتنقيحه في الأصول -:
أن امتناع التكليف في حقهم، ناشئ من تخيل انحلال الخطابات الكلية القانونية إلى الخطابات الشخصية الجزئية، وحيث قد تحصل في مقامه فساد هذا الانحلال، يصح التكليف الفعلي بالنسبة إلى طائفة