يعقل صدور الأمر الجدي - بل التكليف الجدي - من العالم بالهويات بالنسبة إلى طائفة العصاة والكفار والملحدين والفاسقين، الذين لا يسمعون ويستهزئون ولا يؤمنون، سواء توجه إليهم الإنذار وعدمه؟ وتصير النتيجة امتناع عقابهم، لأنه فرع التكليف الممنوع في حقهم.
وبالجملة: امتناع تكليف الفاقدين شرط التكليف - كاحتمال الانبعاث والانزجار في الأوامر والنواهي - واضح، وهذه الآية بضميمة ما سبق يمكن أن يستدل فيها على المسألة الكلامية، وهذه المسألة أصولية، وتصير النتيجة عدم استحقاق طائفة من الفجار للعقاب.
ولذلك ذهب جمع منا إلى أن الأوامر: بين ما هي إعذارية وبين ما هي واقعية، وأما الأوامر الواقعية كالأوامر الشائعة المتعارفة إلى من يحتمل في حقه الاستماع والتأثير، وأما الأوامر الإعذارية فهي تلك الأوامر المتوجهة إلى هؤلاء الناس من الأضلين الساقطين القاسطين، فإن بها ينقطع أعذارهم، * (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) * (1)، وبهذه الأوامر يستحقون العذاب والعقاب.
وفيه: أن الأوامر الامتحانية والإعذارية ولو كانت أوامر واقعية في وجه وصادرة عن جد، إلا أن مجرد كون الأمر صادرا عن جد لا يليق بأن يكون موجبا للاستحقاق، ضرورة أن الله تبارك وتعالى لا يريد الانتقام، ولا يريد قطع عذر العباد، بل يريد الهداية والإصلاح، فإنه أرحم الراحمين.
فعلى هذا لو احتج العبد العاصي الكافر: بأن سبب استحقاق سائر