وجه لا يلزم منه نقص وتنازل، ولا تحديد وتركيب، وفي هذه الآية الشريفة إشارة إلى المذهب الأول، حيث قال: * (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) * من استناد الخلق إلى الله تعالى، الظاهر في أنه لا واسطة ولا خالقية لغيره تعالى، فلا يكون بين المتأخرات القاطنة في عمود الزمان والمكان، وبين المجرد الأول والرب الحقيقي واسطة كالعقول العشرة التي يقول بها المشاؤون، ولا العقول الطولية والعرضية التي يقول بها الإشراقيون، فهناك ليست إلا الله إله العالمين وخالقيته التي هي فيضه المقدس والوجود المنبسط، والمخلوق الذي هو على حسب اختلاف الدرجات في ذلك الانبساط، مختلف الوجود، فمنه ما هو مجرد، ومنه ما هو متكمم، ومنه ما هو مادي ممتد وزماني طبيعي، كما ذهب إليه أرباب العرفان والعرفاء الشامخون بعين الشهود والبرهان.
أقول: هناك نظران:
الأول: فيما هو التحقيق في مسألة كيفية حصول الكثرة في العالم، وهو أمر يأتي - إن شاء الله - في محل أنسب وموقف أحسن.
الثاني: في أن الآية هل تنافي المقالات الاخر؟ فإن قلنا بأن لازم القول بالوسائط كون نسبة الخلق إليه تعالى مجازا، فللاستدلال المزبور وجه، وأما إذا قلنا بأن وساطة العلل المتوسطة المجردة والمادية ليست وساطة الإيجاد والإفاضة والإبداع، بل هي وساطة تشبه الوسائط الإعدادية في المركبات المادية، ويعبر عنه بممر الفيض في الوسائط المجردة، على وجه يكون المتأخر أشد قربا منه تعالى بالقياس إلى ما يباشره، فلا تلزم المجازية في الإسناد، فلا يتم الاستدلال.