(يسألك) يا محمد (أهل الكتاب)، يعني اليهود (أن تنزل عليهم كتابا من السماء)، واختلف في معناه على أقوال أحدها: إنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا من السماء مكتوبا، كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح، عن محمد بن كعب، والسدي. وثانيها: إنهم سألوه أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا، يأمرهم الله تعالى فيها بتصديقه واتباعه، عن ابن جريج، واختاره الطبري وثالثها:
إنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا خاصا لهم، عن قتادة. وقال الحسن: إنما سألوا ذلك للتعنت والتحكم في طلب المعجزات، لا لظهور الحق، ولو سألوه ذلك استرشادا لا عنادا، لأعطاهم الله ذلك.
(فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) أي: لا يعظمن عليك يا محمد مسألتهم إياك إنزال الكتب عليهم من السماء، فإنهم سألوا موسى، يعني اليهود، أعظم من ذلك، بعد ما أتاهم بالآيات الظاهرة، والمعجزات القاهرة، التي يكفي الواحد منها في معرفة صدقه، وصحة نبوته، فلم يقنعهم ذلك (فقالوا أرنا الله جهرة) أي:
معاينة، (فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) أنفسهم، بهذا القول وقد ذكرنا قصة هؤلاء، وتفسير أكثر ما في الآية في سورة البقرة عند قوله (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) الآية.
قوله: (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) الآية، (ثم اتخذوا العجل) أي: عبدوه واتخذوه إلها (من بعد ما جاءتهم البينات) أي: الحجج الباهرات. قد دل الله بهذا على جهل القوم وعنادهم (فعفونا عن ذلك) مع عظم جريمتهم، وخيانتهم، وقد أخبر الله بهذا عن سعة رحمته، ومغفرته، وتمام نعمته وأنه لا جريمة تضيق عنها رحمته، ولا خيانة تقصر عنها مغفرته. (وآتينا موسى) أي: أعطيناه (سلطانا مبينا) أي: حجة ظاهرة تبين عن صدقه، وصحة نبوته (ورفعنا فوقهم الطور) أي: الجبل لما امتنعوا من العمل بما في التوراة، وقبول ما جاءهم به موسى (بميثاقهم) أي: بما أعطوا الله سبحانه من العهد، ليعملن بما في التوراة. وقيل:
معناه ورفعنا الجبل فوقهم بنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم، بأن يعملوا بما في التوراة، وإنما نقضوه بعبادة العجل وغيرها، عن أبي علي الجبائي.
وقال أبو مسلم: إنما رفع الله الجبل فوقهم إظلالا لهم من الشمس، بميثاقهم أي: بعهدهم جزاء لهم على ذلك. وهذا القول يخالف أقوال المفسرين. (وقلنا