علم الله أنه يصير كافرا ولد على الكفر فكأنه أول الفطرة بالعلم و تعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن لقوله فأبواه يهودانه الخ معنى لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فينافي التمثيل بحال البهيمة و منها أن المراد أن الله خلق فيه المعرفة و الإنكار فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعا بلى أما أهل السعادة فقالوها طوعا و أما أهل الشقاوة فقالوها كرها و قال محمد بن نصر سمعت إسحق بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى و يرجحه و تعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح فإنه لا يعرف هذا التفصيل عند أخذ الميثاق إلا عن السدي و لم يسنده و كأنه أخذه من الإسرائيليات حكاه ابن القيم عن شيخه و منها أن المراد بالفطرة الخلقة أي يولد سالما لا يعرف كفرا ولا إيمانا ثم يعتقد إذا بلغ التكليف و رجحه ابن عبد البر و قال إنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض لأن المراد بقوله حنيفا أي على استقامة و تعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر دون ملة الإسلام و لم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى و منها قول بعضهم أن اللام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه و هو متعقب بما ذكر في الذي قبله و يؤيد المذهب الصحيح أن قوله فأبواه يهودانه الخ ليس فيه لوجود الفطرة شرط بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية مثلا متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة بخلاف الإسلام و قال ابن القيم سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر و المعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام ولا حاجة لذلك لأن الآثار المنقولة عن السلف أخذت على أنهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإسلام ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية لأن قوله فأبواه يهودانه الخ محمول على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى من ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث الله أعلم بما كانوا عاملين (قوله فأبواه) أي المولود قال الطيبي الفاء إما للتعقيب أو السببية أو جزاء شرط مقدر أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه إما بتعليمهما إياه أو بترغيبهما فيه و كونه تبعا لهما في الدين يقتضي أن يكون حكمه حكمهما و خص الأبوان بالذكر للغالب فلا حجة فيه لمن حكم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين كما هو قول أحمد فقد استمر عمل الصحابة و من بعدهم على عدم التعرض لأطفال أهل الذمة (قوله كمثل البهيمة تنتج البهيمة) أي تلدها فالبهيمة الثانية بالنصب على المفعولية و قد تقدم بلفظ كما تنتج البهيمة بهيمة قال الطيبي قوله كما حال من الضمير المنصوب في يهودانه أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة تشبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة أو هو صفة مصدر محذوف أي يغيرانه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة قال و قد تنازعت الأفعال الثلاثة في كما على التقديرين (قوله تنتج) بضم أوله و سكون النون و فتح المثناة بعدها جيم قال أهل اللغة نتجت الناقة على صيغة ما لم يسم فاعله تنتج بفتح المثناة و أنتج الرجل ناقته ينتجها إنتاجا زاد في الرواية المتقدمة بهيمة جمعاء أي لم يذهب من بدنها شئ سميت بذلك لاجتماع أعضائها (قوله هل ترى فيها جدعاء) قال الطيبي هو في موضع الحال أي سليمة مقولا في حقها ذلك و فيه نوع التأكيد أي إن كل من نظر إليها قال ذلك لظهور سلامتها و الجدعاء المقطوعة الأذن ففيه إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر كان بسبب صممهم عن الحق و وقع في الرواية المتقدمة بلفظ هل تحسون فيها من جدعاء و هو من الإحساس و المراد به العلم بالشئ يريد
(١٩٩)