وتقريب الاستدلال به أن الميت في حال حياته وقبل أن يموت مالك لجميع ماله، فالسؤال ليس عما يملك من ماله، لأنه من الواضح المعلوم أنه مالك لجميع ماله، فلا بد وأن يقال: إن المراد من الميت من أشرف على الموت، وهو الذي عبر عنه في بعض الروايات بمن حضرته الوفاة، فيكون من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه. والمراد من قول السائل " ماله من ماله " أي: في أي مقدار يجوز له التصرف في ماله وتنفذ تصرفاته، أعم من أن تكون معلقة على الموت أو منجزة؟ فأجاب عليه السلام بأن له ثلث ماله، أي له أن يتصرف معلقة على الموت، أو مطلقة ومنجزة في ثلث ماله.
وحيث أن السؤال عن حد ما يملك التصرف فيه، أعم من أن يكون تصرفه معلقة على الموت أو منجزة - فجوابه بيان ذلك الحد، فتدل الرواية على عدم ملكيته للتصرف فيما زاد على الثلث، سواء كان تصرفه منجزا أو معلقا موته، والأول هو المسمى بالمنجزات، كما أن الثاني مسمى بالوصية.
ولكن أنت خبير بأن الرواية ظاهرة في التصرفات بلحاظ بعد موته، فيكون المراد بها الوصية وأن في أي مقدار من ماله تنفذ وصيته من غير الاحتياج إلى إذن الورثة أو إجازتهم. ووجه ظهوره في التصرفات المعلقة على الموت هو أنه كان في ذهن المؤمنين أن الإرث بعد الوصية والدين، لقوله تعالى في كتابه العزيز: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (1) فجعل الإرث بعدهما، ولكن السؤال عن الدين لا وجه له، لأنه تابع لواقعه.
وأما الوصية التي يكون الإرث بعدها لم تكن معلومة عندهم أن الموصى في أي مقدار من ماله له أن يوصي من دون توقف على إجازة الورثة، فيجيب عليه السلام بأنه