وجه الأول: هو أن المالك مسلط على ماله، وليس ما يوجب قصر سلطنته وعدم تمكن رجوعه كما في موارد العارية، له أن يسترد ماله متى شاء، وليس ملزما ببقائه وإبقائه بملزم شرعي أو عقلي.
ووجه الثاني: هو أن الإذن في الشئ إذن في لوازمه، فإذنه في كونه رهنا ملازم عرفا مع التزامه بكونه عند المرتهن وثيقة لدينه إلى حلول الأجل فإذا لم يؤد المديون دينه - عصيانا أو لعدم تمكنه وتعذر الأداء لفلس أو لغيره - فله أن يبيع الرهن ويستوفى دينه منه، فمثل هذا الالتزام من لوازم الإذن في رهن ماله عرفا. ولا بد في حصول الغرض من الرهن من القول بلزوم هذا الالتزام وعدم جواز الرجوع عنه وإلا يكون الإذن وجعله رهنا لغوا وبلا فائدة، وبناء العرف والعقلاء على لزوم هذا الالتزام الضمني هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الوجه الثاني.
ولكن أنت خبير بأن هذه كلها وجوه استحسانية لا يمكن رفع اليد بها عن سلطنة المالك، وإجباره على عدم التصرف في ماله ببيع أو هبة أو رده إلى ما كان من محل استعمالاته في حوائجه. نعم لو لم يرجع عن إذنه إلى أن باعه المرتهن لاستيفاء دينه، فله الرجوع إلى الراهن المديون مخيرا بين أخذ قيمته التي باعه المرتهن بتلك القيمة، و بين أخذ قيمته الواقعية.
فلو كان الثمن الذي به باع الرهن أقل من قيمته الواقعية، فله الرجوع إلى الراهن بقيمته الواقعية، كما أنه لو كان الثمن أزيد من قيمته الواقعية له أخذ الثمن، والوجه في جميع الصور معلوم.
فرع: لو رهن عصيرا فصار خمرا عند المرتهن فلا شك في زوال ملكية الراهن، لأن الشارع أسقط مالية الخمر وملكيته ولكن حق الاختصاص باق، فله تخليله