غافلون عن طب الأطباء ورقى الرقاة، ولا يخشون من ذلك شيئا. وأجاب الخطابي ومن تبعه بأن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة. وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب. قال ابن الأثير:
هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلاقتها وهؤلاء هم خواص الأولياء، ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلا وأمرا، لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز، ومع ذلك فلا ينقص من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينا، فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئا بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل فكان من ترك الأسباب وفوض وأخلص أرفع مقاما. قال الطبري: قيل لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شئ البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي، ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم. والحق من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعا لسنته وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وآله وسلم بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب ، وأدخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك، وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أو يتوكل؟ أعقلها وتوكل.
فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل. قوله: فقالت إني أصرع الصرع نعوذ بالله منه علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن استعمالها منعا غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار ردئ يرتفع إليه من بعض الأعضاء، وقد يتبعه تشنج في الأعضاء ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة، وقد يكون الصرع من الجن ويقع من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لايقاع الأذية به، والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه. والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته، ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطيل أفعالها، وممن نص على ذلك بقراط فقال بعد ذكر علاج المصروع: إنما ينفع في الذي سببه أخلاط، وأما الذي يكون من