بعض الصحابة: منا يا رسول الله أو منهم؟ فقال: بل منكم فتقرر بما ذكرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور. وقال النووي في حديث: أمتي كالمطر أنه يشتبه على الدين يرون عيسى ويدركون زمانه وما فيه من الخير أي الزمانين أفضل، قال: وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: خير القرون قرني ولا يخفى ما في هذا من التعسف الظاهر، والذي أوقعه فيه عدم ذكر فاعل يدري فحمله على هذا، وغفل عن التشبيه بالمطر المفيد لوقوع التردد في الخيرية من كل أحد، والذي يستفاد من مجموع الأحاديث أن للصحابة مزية لا يشاركهم فيها من بعدهم وهي صحبته صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهدته والجهاد بين يديه وإنفاذ أوامره ونواهيه، ولمن بعدهم مزية لا يشاركهم الصحابة فيها وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلى الايمان إلا من حقت عليه الشقاوة، وأما باعتبار الأعمال فأعمال الصحابة فاضلة مطلقا من غير تقييد بحالة مخصوصة كما يدل عليه: لو أنفق أحدكم مثل أحد الحديث. إلا أن هذه المزية هي للسابقين منهم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطب بهذه المقالة جماعة من الصحابة الذين تأخر إسلامهم كما يشعر بذلك السبب، وفيه قصة مذكورة في كتب الحديث، فالذين قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا هم جماعة من الصحابة الذين تأخرت صحبتهم، فكان بين منزلة أول الصحابة وآخرهم أن إنفاق مثل أحد ذهبا من متأخريهم لا يبلغ مثل إنفاق نصف مد من متقدميهم. وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الاطلاق، إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغربة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة، فيكون هذا مخصصا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة، فأعمال الصحابة فاضلة، وأعمال من بعدهم مفضولة إلا في مثل تلك الحالة، ومثل حالة من أدرك المسيح إن صح ذلك المرسل وبانضمام أفضلية الأعمال إلى مزية الصحبة يكونون خير القرون، ويكون قوله: لا يدرى خير أوله أم آخره باعتبار أن في المتأخرين من يكون بتلك المثابة من كون أجر خمسين، هذا باعتبار أجور الأعمال، وأما باعتبار غيرها فلكل طائفة مزية كما تقدم ذكره، لكن مزية الصحابة فاضلة مطلقا باعتبار مجموع القرن لحديث: خير القرون قرني فإذا اعتبرت كل قرن قرن ووازنت بين مجموع القرن الأول مثلا ثم الثاني
(٢٣٠)