عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه جزاء في الدنيا. (قلت): وممن نص على هذا الأخير الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلى. ومن الشافعية الماوردي ولفظه الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد. والمنقول عن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند لا بأس به إلا أن فيه انقطاعا. وأخرج من وجه آخر متصل لا بأس برجاله أيضا عن ابن عباس قال: ما توعد الله عليه بالنار كبيرة. وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر منها قول إمام الحرمين: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة. وقال الحليمي: كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه. وقال الرافعي: هي ما أوجب الحد. وقيل: ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة، هذا أكثر ما يوجد للأصحاب وهم إلى ترجيح الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر انتهى. وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كالعقوق. وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة. وقال ابن عبد السلام في القواعد: لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض، والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها. قال الحافظ: وهو ضابط جيد. وقال القرطبي في المفهم: الراجح أن كل ذنب نص على كبره أو عظمه أو توعد عليه بالعقاب أو علق عليه حد أو اشتد النكير عليه فهو كبيرة. وكلام ابن الصلاح يوافق ما نقل أولا عن ابن عباس وزاد إيجاب الحد، وعلى هذا يكثر عدد الكبائر. وهذا الكلام في غير ما قد ورد النص الصريح فيه أنه كبيرة أو من الكبائر أو أكبر الكبائر. وقال الواحدي: ما لم ينص الشارع على كونه كبيرة فالحكمة في إخفائه أن يمتنع العبد من الوقوع فيه خشية أن يكون كبيرة كإخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة والاسم الأعظم. قوله: يمين صبر أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وإنما أطلق الصبر عليها وإن كان صاحبها هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها أي حبس، فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا، كذا في النهاية والنكتة الأثر.
(٢٢٣)