أن يقول: مررت برجل كريم ولئيم آخر، فعلى هذا فقد وصف الاثنان بالعدالة، فتعين أن يكون الآخران كذلك، وتعقب بأن هذا وإن ساغ في الآية لكن الحديث دل على خلاف ذلك، والصحابي إذا حكى سبب النزول كان ذلك في حكم الحديث المرفوع. قال في الفتح اتفاقا وأيضا ففيما قال رد المختلف فيه بالمختلف فيه، لأن اتصاف الكافر بالعدالة مختلف فيه، وهو فرع قبول شهادته، فمن قبلها وصفه بها ومن لا فلا. واعترض أبو حيان على المنال الذي ذكره النحاس بأنه غير مطابق، فلو قلت: جاءني رجل مسلم وآخر كافر صح، بخلاف ما لو قلت: جاءني رجل مسلم وكافر آخر، والآية من قبيل الأول لا الثاني، لأن قوله آخران من جنس قوله اثنان لأن كلا منهما صفة رجلان، فكأنه قال: فرجلان اثنان ورجلان آخران. وذهب جماعة من الأئمة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: * (ممن ترضون من الشهداء) * (البقرة: 282) واحتجوا بالاجماع على رد شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق. وأجاب الأولون أن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن وأنها محكمة كما تقدم. وأخرج الطبري عن ابن عباس بإسناد رجاله ثقات أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحد من المسلمين، وأنكر أحمد على من قال: إن هذه الآية منسوخة، وقد صح عن أبي موسى الأشعري أنه عمل بذلك كما في حديث الباب. وذهب الكرابيسي والطبري وآخرون إلى أن المراد بالشهادة في الآية اليمين قالوا: وقد سمى الله اليمين شهادة في آية اللعان، وأيدوا ذلك بالاجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول أشهد بالله، وأن الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق ، قالوا: فالمراد بالشهادة اليمين لقوله: * (فيقسمان بالله) * (المائدة: 106) أي يحلفان، فإن عرف أنهما حلفا على الاثم رجعت اليمين على الأولياء، وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة بخلاف الشهادة. وقد اشترط في القصة فقوي حملها على أنها شهادة، وأما اعتلال من اعتل في ردها بأن الآية تخالف القياس والأصول لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه، وشهادة المدعي لنفسه، واستحقاقه بمجرد اليمين، فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغن عن نظيره، وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع كما في الطب، وليس المراد بالحبس السجن، وإنما المراد الامساك لليمين ليحلف بعد الصلاة. وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه السورة عند
(٢٠٧)