ثم يفعله وهذا هو يمين المعصية قال ابن العربي: القول بأن لغو اليمين هو المعصية باطل، لأن الحالف على ترك المعصية ينعقد يمينه ويقال له لا تفعل وكفر عن يمينك، فإن خالف وأقدم على الفعل أثم وبر في يمينه. قال: ومن قال إنها يمين الغضب يرده ما ثبت في الأحاديث يعني المذكورة في الباب. ومن قال دعاء الانسان على نفسه إن فعل أو لم يفعل فاللغو إنما هو في طريق الكفارة وهي تنعقد، وقد يؤاخذ بها لثبوت النهي عن دعاء الانسان على نفسه. ومن قال إنها اليمين التي تكفر فلا متعلق له، فإن الله تعالى رفع المؤاخذة عن اللغو مطلقا فلا إثم فيه ولا كفارة، فكيف يفسر اللغو بما فيه الكفارة وثبوت الكفارة يقتضي وجود المؤاخذة؟ وقد أخرج ابن أبي عاصم من طريق الزبيدي وابن وهب في جامعه عن يونس وعبد الرزاق في مصنفه عن معمر كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة: لغو اليمين ما كان في المراء والهزل أو المراجعة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب وهذا موقوف. ورواية يونس تقارب الزبيدي ولفظ معمر أنه القوم يتدارؤن يقول أحدهم: لا والله، وبلى والله، وكلا والله، ولا يقصد الحلف وليس مخالفا للأول. وأخرج ابن وهب عن الثقة عن الزهري بهذا السند هو الذي يحلف على الشئ لا يريد به إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه، وهذا يوافق القول الثاني لكنه ضعيف من أجل هذا المبهم شاذ لمخالفته من هو أوثق منه وأكثر عددا. (والحاصل) في المسألة أن القرآن الكريم قد دل على عدم المؤاخذة في يمين اللغو، وذلك يعم الاثم والكفارة فلا يجب أيهما، والمتوجه الرجوع في معرفة معنى اللغو إلى اللغة العربية، وأهل عصره صلى الله عليه وآله وسلم أعرف الناس بمعاني كتاب الله تعالى، لأنهم مع كونهم من أهل اللغة قد كانوا من أهل الشرع، ومن المشاهدين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والحاضرين في أيام النزول، فإذا صح عن أحدهم تفسير لم يعارضه ما يرجح عليه أو يساويه وجب الرجوع إليه، وإن لم يوافق ما نقله أئمة اللغة في معنى ذلك اللفظ لأنه يمكن أن يكون المعنى نقله إليه شرعيا لا لغويا، والشرعي مقدم على اللغوي كما تقرر في الأصول، فكان الحق فيما نحن بصدده هو أن اللغو ما قالته عائشة رضي الله عنها. وفي (حديث الباب) تعرض لذكر بعض الكبائر، والكلام في شأنها طويل الذيول لا يتسع لبسطه إلا مؤلف حافل، وقد ألف ابن حجر في ذلك مجلدا ضخما
(١٣٤)