بحد ذاتها غير حجة، وإنما الحجية لموافقة الشارع، وموافقته تارة تكشف بعدم الردع، وهذا هو الوجه الأول، وأخرى تكشف بدلالة لفظية وإن كانت نفس السيرة دخيلة في تكونها. ويظهر الأثر العملي فيما لو احتملنا الردع من دون أن يثبت بدليل خاص، كي يكون رادعا عن السيرة وفي نفس الوقت مقيدا لعموم التعليل، فإذا احتملنا الردع، ولم يكن هناك ما ينفيه ولا ما يثبته، فهذا يضر بالدليل الأول وهو التمسك بالسيرة، ولكن لا يضر بالدليل الثاني وهو التمسك بعموم التعليل. هذا، ولا يمكن دعوى اختصاص السيرة بالشبهات الحكمية فيما بين العقلاء، أي في تفهيم وتفهم أغراضهم فيما بينهم، وعدم جريانها بالنسبة للشبهات الموضوعية، وهي محل الكلام فعلا، وذلك لأن التفصيل بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية بالحجية في إحداهما دون الأخرى لا يكون إلا أمرا تعبديا بحتا، وهذا بعيد عن مذاق العقلاء.
وعلى أي حال فقد يدعى ورود الردع عن السيرة المدعاة في المقام لو تمت في نفسها في موارد الشبهات الموضوعية، وذلك إما بحديث عام، أو بأحاديث خاصة في موارد متفرقة يقتنص العرف منها الردع عن كبرى السيرة.
أما الحديث العام، فهو عبارة عن حديث مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة " (1).