وقد يقال: إن نفس ما ورد من إثبات البينة والقسامة على المنكر تدل على أنه لو لم يقدم شيئا منهما ثبتت عليه الدعوى. وهذا يعني ثبوت الدية عندما لم نعلم بكون القتل عمديا، وثبوت القصاص عندما علمنا بكون القتل - على تقدير وقوعه منه - عمديا.
ولكني أقول: إنه يكفي مبررا لمطالبة المنكر بالبينة أو القسامة أنه لو لم يقدم شيئا منهما لثبتت عليه الدية، وعليه فلو ثبت إجماع كاشف في المقام فهو، وإلا فإثبات حق القصاص بمجرد النكول مشكل. نعم، لا إشكال في ثبوت القصاص بالبينة إذا قامت على العمد، كما لا ينبغي الإشكال أيضا في ثبوت القصاص بالقسامة إذا حلفوا على العمد، كما يدل على ذلك ما ورد من أنه جعلت القسامة كي يخاف القاتل أن يقتل بها، فيكف عن القتل، فلو لم تكن القسامة تثبت العمد لأمكن للقاتل أن يتخلص من القتل بدعوى الخطأ، فيكتفي بدية العاقلة.
عدم اشتراط الجزم في دعوى القتل:
وفي ختام البحث عن اللوث في الدماء نقول: لا يشترط في ثبوت الدم بالبينة أو القسامة أو النكول كون ولي الدم مدعيا للقتل على المتهم دعوى جزمية، وذلك لأحد وجوه:
الأول - خاص بالبينة، وهو دعوى الإطلاق في دليل حجية البينة بناء على أن روايات (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) أو العكس تشير إلى حجية البينة في حدود الارتكاز العقلائي، وأن تطبيقها على مورد الدعوى تطبيق للقاعدة العامة لحجيتها، وليس المقصود بها تشريع حجيتها في خصوص مورد الدعوى كي يقال: لا دليل على صحة إقامة الدعوى غير الجزمية.
والثاني - خاص بالبينة والقسامة ولا يشمل النكول، وهو ما ورد في بعض