والوجهان اللذان علل بهما السنهوري شرط الكتابة في إثبات التصرف القانوني المدني - وقد تقدم نقلهما عنه في أول بحثنا عن طرق الإثبات: من كون التعبير في ذلك عن إرادة تتجه لإحداث أثر قانوني أمرا دقيقا قد يغم على الشهود، ومن سهولة تهيئة الدليل الكتابي عليه وقت وقوعه - لا يصلحان نكتتين لاشتراط الإثبات بالكتابة، بحيث لو قصر في الكتابة لا نسد باب الإثبات ولم تفد البينة فيما تزيد قيمته على عشرة جنيهات، وإنما يصلحان نكتتين للإلزام بالكتابة أو الحث عليها، كما صنعته الشريعة الإسلامية مع الاحتفاظ بحق الإثبات بالبينة على تقدير التقصير في الكتابة.
وبعد فعدم شرط العدالة في البينة حسب مدرسة الفقه الوضعي له أثره البالغ في فرض تحفظات تجاه البينة، بينما الشريعة الإسلامية في نظر الفقه الشيعي منزهة عن إغفال شرط العدالة.
جملة من شرائط البينة في الفقه الوضعي:
ومن شرائط البينة لديهم الحلف، ولو بدلوه بشرط العدالة لكان أقوى وأشرف لهم: أما كونه أقوى فلأن غير العادل ما أكثر إقدامه على الحلف الكاذب، والعادل يتحرز عادة عن الكذب حتى من غير حلف، وأما كونه أشرف لهم فلأن الدافع الحقيقي لعدم شرط العدالة عندهم واضح، وهو أصل كون العدالة - حسب ما لديهم من نظرة مادية وانهماك في الشهوات - أمرا أقرب إلى الخيال الطوبائي أقرب منه إلى الحقيقية والواقع.
ومن شرائط البينة لديهم العلم الحسي، ويستثنون فرض موت الشاهد المباشر أو العجز عن الوصول إليه. وهذا في الحقيقة عبارة عن تقييد نفوذ الشهادة