مجال عندئذ في رفع النزاع مرة أخرى إلى قاض آخر أو نفس القاضي الأول، ليأتي الحكم وفق الوضع الجديد، وهو ابتلاء بينة المدعي بالمعارض مثلا، أو لا؟ فإن قلنا بعدم جواز ذلك لأجل المقبولة، ولأجل ارتكاز أن مشروعية القضاء إنما هي لفصل الخصومة، فنفس الوجهين يقتضيان في فرض حكم القاضي بعلمه أيضا عدم جواز النقض، وإلا جاز النقض حتى فيما إذا كان الحكم وفق البينة. والصحيح طبعا هو الأول.
فرض الخطأ في المقاييس:
الفرض الثالث - فرض الخطأ في المقاييس، وهو على ثلاثة أقسام:
القسم الأول - الخطأ في التطبيق كأن يحكم القاضي وفق البينة ثم يثبت بعد ذلك أنها كانت فاسقة:
لا ينبغي الإشكال في أن مجرد الشك في خطأ القاضي لا يوجب نقض حكمه لجريان أصالة الصحة، ولكن مع فرض علم المنكر بفسق بينة المدعي هل يجب عليه الخضوع لحكم القاضي؟ ولو أثبت فسقها لدى قاض آخر هل يجوز لذاك القاضي الآخر نقض حكم القاضي الأول؟ ولو ثبت فسقها لدى نفس القاضي الأول أفليس عليه أن يتراجع عن حكمه؟ لا ينبغي الإشكال في أن المقبولة لا تدل على حرمة نقض حكم هذا الحاكم، لأن موضوع حرمة النقض هو أن يحكم بحكمهم - يعني حكم الأئمة (عليهم السلام) وهنا يعتقد المنكر أو القاضي الآخر أو نفس القاضي الأول بعد انكشاف الخلاف: أن ذاك الحكم لم يكن هو حكم الأئمة (عليهم السلام)، لأن حكمهم عبارة عن الحكم وفق البينة العادلة.
وأما الارتكاز، فبالتقريب الذي مضى، وهو ارتكاز أن مشروعية القضاء إنما هي لفصل الخصومة، لا يأتي هنا، لأن العلم بفسق البينة يعني العلم بأن هذا القضاء لم يكن مشروعا وإن كان القاضي معذورا لاعتقاده بعدالتها.