ولكن الصحيح: أن احتمال الفرق بين البينة الحاضرة والبينة غير الحاضرة لدى الحاكم خلاف المرتكز العقلائي الذي يرى أن حجية البينة لأجل طريقيتها وكاشفيتها، والحضور ليس دخيلا في الطريقية والكشف، وإنما الفرق بين فرض الحضور وعدمه أن هذا الطريق - وهو البينة في فرض الحضور - قد ثبت بالحس، بينما في فرض عدم الحضور نحتاج إلى طريق آخر لإيصال هذا الطريق، ومن هنا يأتي الضعف، وهذا الضعف ليس في أصل البينة وإنما هو في عدم وصولها بالحس، أي أن الضعف في الطريق الموصل للبينة. فالذي يأتي في المقام إنما هو احتمال عدم حجية هذا الطريق الموصل للبينة الموصل للبينة - وهو شهادة الفرع مثلا - لا اشتراط حجية البينة الأصلية بالحضور إلا بمعنى اشتراط حجية كل طريق بوصوله. إذن فشرط الحضور في ذاته بالنسبة للبينة منفي بالإطلاق المقامي لعدم مساعدة الارتكاز العقلائي عليه. والأثر العملي بين القول بشرط الحضور والقول بعدم حجية بينة الفرع يظهر فيما لو ثبت بينة الأصل بمثل التواتر من دون حضور لها لدى الحاكم، فبناء على شرط الحضور لا حجية لهذه البينة، وبناء على عدم نفوذ بينة الفرع مثلا لا إشكال في حجية هذه البينة، لأنها بينة الأصل.
فالذي ينبغي بحثه ليس هو اشتراط حجية البينة بالحضور، وإنما هو طريق ثبوت البينة، وأن البينة هل تثبت بالعلم الحسي أو ما يقرب من الحس فحسب، أو تثبت أيضا بخبر الواحد أو العلم الحدسي أو بينة الفرع؟ فهنا ثلاث مسائل:
إثبات البينة بخبر الواحد:
المسألة الأولى - في أنه هل تثبت البينة بخبر الواحد أو لا؟
الصحيح عدم ثبوت البينة بخبر الواحد حتى بناء على حجيته في الموضوعات