البينة وشروطها لدى الفقه الوضعي وفي ختام البحث عن شرائط البينة لا بأس بالتعرض شيئا ما لوجهة نظر الفقه الوضعي بشأن البينة وشروطها.
تحفظ الفقه الوضعي تجاه البينة:
إن الفقه الوضعي ينظر إلى البينة بتحفظ، ولديه نقطتان أساسيتان في كيفية التحفظ:
الأولى - أنه جعل نفوذ البينة في ميدان التصرفات القانونية المدنية محدودا بما لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات فرنسية أو عشرين جنيها مصريا. نعم، نفوذها في الوقائع القانونية المادية وفي التصرفات القانونية التجارية غير محدود، وللقاعدة بكلا طرفيها استثناءاتها.
والمقصود بالتصرف القانوني ما يؤثر بواسطة الإرادة أثرا قانونيا كعقد البيع، والمقصود بالوقائع القانونية ما يؤثر أثرا قانونيا بلا توسيط الإرادة، والتصرف القانوني ينقسم إلى المدني والتجاري: فالتجاري ما يكون بروح المتاجرة، والمدني غيره، وقد يكون تصرف واحد بلحاظ أحد المتعاقدين تجاريا وبلحاظ المتعاقد الآخر مدنيا، كما لو باع التاجر سلعته للمستهلك، فهو بلحاظ البائع تصرف تجاري وبلحاظ المستهلك تصرف مدني، وكما لو باع المزارع جزء من محصوله من التاجر، فهو بلحاظ البائع مدني وبلحاظ المشتري تجاري.
وعندئذ فنفوذ البينة لصالح التاجر غير محدود، ونفوذها لصالح الطرف الآخر محدود. وقد مضى منا في أول بحثنا عن طرق الإثبات تعليل هذا التحديد في