إنها بهذا الحصر تنفي حجية العلم الحدسي، فالتعدي إلى العلم الحدسي بالبينة يكون إما بدعوى إطلاق هذه الروايات لمورد البينة، أي أنها كما تدل على أنه لا يجوز إثبات الواقعة المتنازع فيها بالعلم الحدسي، كذلك تدل على أنه لا يجوز إثبات البينة على الواقعة المتنازع فيها بالعلم الحدسي، أو بدعوى الأولوية القطعية، أو الأولوية العرفية، فإن تمت إحدى هذه الدعاوى ثبت عدم حجية العلم الحدسي بالبينة. وهو يرجع في روحه إلى تضييق في حجية البينة، فالبينة التي علمت بالحدس لا تكون حجة، لا إلى تضييق في حجية العلم الطريقي، كي يقال: إن هذا غير معقول.
إثبات البينة بالبينة:
المسألة الثالثة - في ثبوت البينة بالبينة وعدمها.
مقتضى القاعدة في حقوق الناس هو الثبوت: إما بارتكاز العقلاء المقتضي لحجية البينة في حقوق الناس والذي لم يرد عليه ردع، أو بدلالة مثل قوله (صلى الله عليه وآله):
" إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان "، وقوله (صلى الله عليه وآله): " البينة على المدعي "، لا بتقريب شمول إطلاقها الحكمي لبينة الفرع، كي يورد عليه: ما مضى من عدم تمامية الإطلاق الحكمي فيها، أو يورد عليه: أنها تنظر إلى البينة على الواقعة، لا البينة على البينة، بل بتقريب أن مفاد هذه الروايات ببركة ضم الارتكاز هو أن القضاء في واقعة ما يستعين بما هو بينة وحجة في نفسه وبغض النظر عن القضاء في الواقعة، وهذه الحجية تتسع بالاطلاق المقامي لكل دائرة الارتكاز، والبينة على البينة داخلة في دائرة الارتكاز.
وهذا النحو من الاستدلال يمتاز على الاستدلال ابتداء بالارتكاز بأنه لو احتملنا في مورد ما - على أساس رواية ضعيفة السند مثلا - الردع، ولكن لم