بالأقل مع اتفاقهما على جامع الإيجارين لا أثر لها، ولا تشكل مرافعة. وهذا الإشكال كما ترى غير إشكال المحقق العراقي (رحمه الله) في المقام وكل منهما مدع بالنسبة لأحد الإيجارين، لأن الأصل عدمه، ومنكر بالنسبة للإيجار الآخر، لأنه يوافق أصالة عدمه، والأصلان غير متعارضين لإمكان صدقهما معا، بأن لا يكون قد وقع شئ من الإيجارين. نعم، قد نعلم صدفة بكذب أحدهما إجمالا - أي بوقوع أصل الإيجار - ولكن قد وضحنا أن العلم الإجمالي صدفة بالكذب لا يخرج المنكر عن كونه منكرا، فإنه ليس بأشد من العلم التفصيلي بكذب المنكر.
مصب النزاع بين المدعي والمنكر:
الأمر الرابع - أن مقياس المدعي والمنكر وترتب أحكامهما عليهما مختص بما إذا كان النزاع على حق أو عين يدعيه أحدهما على الآخر أو عنده وينكر الآخر، أما إذا كانا معا معترفين بالحق أو العين لأحدهما، وإنما النزاع في مخالفة الآخر لهذا الحق أو غصبه لهذه العين، فهذا لا يدخل في باب النزاع الذي يحمل أحكام المدعي والمنكر، فمعنى المدعي والمنكر في باب القضاء هو من يدعي حقا أو عينا على أحد، ومن ينكره عن نفسه، أما لو ادعى مثلا أن فلانا ساكن في بيتي وذاك يعترف أن هذا بيته، ولكنه ينكر كونه ساكنا في بيته، وكانت دعوى الأول لا بروح مطالبة الثاني بأجرة مدة سكنه في البيت، كي يرجع الأمر إلى دعوى حق عليه ينكره، بل بروح إخراجه من الآن فصاعدا من البيت، فهذا ليس بابه باب القضاء المتعارف الذي يحكم فيه بأن القضاء يكون بالبينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولو ادعى مثلا أن فلانا يريد قتلي أو ضربي، والآخر أنكر ذلك، فهذا ليس بابه باب القضاء ليحكم فيه بالبينات والأيمان، وإنما هذا بابه باب دفع الظلم ودفع المنكر